قصص إثارة وغموض

تحقيقات المفتش عمر قضية (لغز كوبري الفتح)

في مكان في صندوق ائتمان في بنك من البنوك عند شارع ت. ش… كان في صندوق من المعدن القديم مكتوب على البطاقة بتاعته إسم دكتور أحمد عبد العزيز طبيب في الجيش سابقاً…جوه الصندوق مجموعة كبيرة من القضايا الغريبة اللي حقق فيها صديقي المفتش عمر في أوقات مختلفة.

بعض القضايا دي يمكن تكون أقلها إثارة… فشل فيها صديقي فشل كبير، وعشان كده مش شايف إنها محتاجة تتحكي، وده لإنها مالهاش حل نهائي، ولإن أي قضية من غير حل ما بتبقاش مهمة… كل اللي هتسببه إنها هتضايق القارئ العادي.

 من القصص اللي ما اكتملتش قصة أستاذ جعفر فاروق اللي رجع لبيته عشان ياخد الشمسية، ومن يومها محدش شافه في الدنيا.. كمان القصص الغريبة قصة سفينة اللؤلؤة اللي سافرت في البحر في يوم الصبح في فصل الربيع، ودخلت في منطقة ضبابية مخرجتش منها أبدا.

في قصة تانية تستاهل إني أتكلم عنها، وهي قصة إبراهيم بسيوني الصحفي، والناقد المعروف اللي لقوه في حالة جنون، وكان قدامه علبة كبريت جواها دودة شكلها غريب، وغير معروفة.

 بعيد عن القضايا العجيبة دي كمان في قضايا بتتعلق بأسرار عائلات، وفيها أسرار، وخصوصية، وممكن نشر أي معلومة عن القضايا دي تسبب مشكلة كبيرة… مش محتاج أقول إن ده مش هيحصل، وإنه مستحيل يتم تسريب أسرار العملاء… غالباً القضايا اللي من النوع ده بتنفصل على جنب، وبنتخلص منها، وده أمر بيكون صديقي عمر حريص عليه، ودايماً بيعمله أول بأول.

هيتبقى مجموعة من القضايا اللي ممكن تكون مهمة، أو لأ… واللي ممكن أنشرها… أنا كنت هنشرها بالفعل لولا إني خفت القراء تحس بالملل… بعض القصص دي أنا إشتركت فيها، وأقدر أحكيها من وجهة نظري، وقصص تانية أنا ما شفتهاش، وعلشان كده دايماً بستخدم فيها ضمير الغايب… أما القصة بتاعة دلوقتي فأنا هحكيها من التجربة الشخصية اللي عشتها فيها.

كنا في يوم الصبح في شهر أكتوبر، واخدت بالي وأنا بلبس هدومي قد إيه الرياح كانت قوية، وبتاخد معاها آخر أوراق الشجر الموجودة في مكانها… الأشجار الجميلة اللي كانت بتزين الجنينة اللي ورا بيتنا…

نزلت علشان الفطار في الدور اللي تحت، وكنت متوقع إني ألاقي صديقي في حالة إكتئاب لإنه دايماً بيتأثر بحالة الجو، والبيئه اللي حوليه… بس على العكس لقيته قرب يخلص الفطار، ولقيته مبسوط، ومزاجه كويس بشكل واضح.

كمان كان عنده حالة من الإنبساط فيها شوية قلق، ودايماً الحالة دي بتجيله في الأوقات اللي ما بيكونش عنده فيها مشاكل.

سألته: في قضية جديدة يا عمر مش كده؟

عمر: واضح إن قدرة الإستنتاج إنتقلتلك يا صديقي العزيز… فعلاً أنا عندي قضية جديدة بعد شهر كامل من التفاهات، وعدم الشغل رجع عقلي يشتغل مرة تانية.

سألت: تقدر تقولي إيه هي القضية؟

عمر: مفيش حاجات كتير أحكيهالك بس ممكن أدرسها أنا، وإنت بعد ما تفطر البيض المسلوق الجميل اللي طبختهولنا الطباخة… يمكن تكون طريقتهم ملهاش علاقة بمجلة الاسرة اللي شفتها إمبارح فوق ترابيزة الطرقة… يمكن أكتر الأمور تفاهة زي سلق البيض لازمله إنتباه بخلاف الحكايات اللي بتبقى موجودة في المجلات الجميلة.

بعد ربع ساعة كانت الترابيزة إتنضفت، وإتشال الفطار، وكنت أنا، وعمر قاعدين وشنا لبعض… بعد شوية خرج عمر رسالة من جيبه، وقال.

عمر: سمعت قبل كده عن نبيل جعفر اللي الناس بتسميه ملك الدهب؟

قلت: إنت قصدك عضو مجلس الشعب المعروف؟

عمر: هو كان عضو سابق في المجلس عن دايرة من الدواير الريفية… بس هو دلوقتي مشهور أكتر لإن شركته بقت أكبر شركة تنقيب عن الدهب.

قلت: أيوه أنا عارف هو مين… هو عايش هنا بقاله فترة، وإسمه سمعته قبل كده.

عمر: أيوه… هو إشترى مكان في هـ. ش من خمس سنين تقريباً… يمكن تكون سمعت عن الحادثة الفظيعة اللي حصلت لمراته؟

قلت: أيوه إفتكرتها دلوقتي… هو ده السبب اللي مخلي الإسم معروف ليا… بس في الحقيقة أنا مش عارف تفاصيل كتير عن الحادثة.

شاور عمر لمجموعة من الورق فوق الكرسي، وقال مكنتش متخيل إن القضية هتتعرض عليا، وإلا كنت حضرت معلومات عنها… القضية دي حساسة جداً، وكمان فيها جزء كبير من الصعوبة… الشخص المتهم شخصيته مثيرة للاهتمام كمان في دليل واضح جداً في القضية… هو ده رأي المحقق اللي حقق في الجريمة، وده الكلام اللي كان موجود في محضر المحكمة.

القضية دلوقتي في محكمة الجنايات، وأعتقد إنها هتبقى مهمة صعبة لو قدرت إني أكتشف الحقيقة يا أحمد بس للأسف مش هقدر أغير الواقع لو مقدرتش أكتشف حاجة جديدة… مش عارف إيه اللي هيحتاجه عميلي.

قلت: عميلك؟!

عمر: أيوه أنا نسيت أقولك… أنا بستخدم نفس طريقتك في حكاية القصص يا أحمد ببتدي من النهاية… كان لازم إنك تقرأ ده الأول.

كانت الرسالة اللي إدهاني عمر مكتوبه بخط واضح، ومنظم.

الرسالة: فندق اللوتس…بتاريخ 3/10/1893 …الأستاذ المفتش عمر.

قدري إني أشوف أفضل إنسانة خلقها ربنا بتنتهي حياتها من غير ما أقدر إني أنقذها… أنا مش قادر أفسر اللي حصل، ولا قادر حتى إني أحاول أفسره… بس أنا متأكد بشكل قوي إن الآنسة دينا بريئة… إنت عارف إيه اللي حصل… ومين اللي ما يعرفش؟ للأسف كان الموضوع البلد كلها بتتكلم عنه… بس مفيش أي حد وقف، ودافع عنها…

الحاجة اللي هتجنني الظلم الكبير اللي موجود في القضية… الإنسانة دي عندها قلب طيب مستحيل إنها تإذي دبانة…

أنا هاجي أزورك بكرة الساعة 11:00 عشان أشوف إذا كان في أي أمل في الضلمة اللي أنا عايش فيها، ويمكن يكون معايا حل أنا معرفوش…

على العموم كل اللي أعرفه، وكل اللي معايا، وأنا شخصياً تحت أمرك… لو قدرت بس إنك تنقذها، وأتمنى إنك تعمل كل اللي تقدر عليه، وتستخدم كل مهاراتك عشان تحل القضية دي… توقيع نبيل جعفر.

عمر، وهو بينفض التبغ من البايب اللي كان بيدخنه قبل الفطار، وبيرجع يمليه تاني: دلوقتي إنت قرأت الرسالة هو ده الشخص اللي إحنا مستنينه… أما بالنسبة للتفاصيل فمعندكش وقت إنك تعرف كل اللي موجود في الورق عشان كده أنا هلخصهولك… ده لو كنت ناوي إن يكون ليك دور مميز في القضية.

الشخص ده يعتبر مؤسسة مالية كبيرة… على قد معرفتي… هو شخص قاسي، وعنيف، ومعروف عنه إنه شخص مرعب.

كان متجوز من الست اللي إنتهت حياتها في الحادثة… معرفش حاجة عنها غير إن كان عمرها متوسط، وده من سوء حظها… وإنها كانت بتابع تعليم أولادها الصغيرين واللي كان مسؤول عن تعليمهم مربية جميلة جداً… هما دول الأشخاص التلاثة الأساسيين في القضية.

أما بالنسبة للمكان اللي حصلت فيه الحادثة هو قصر كبير جداً… أما بخصوص الحادثة فهما لقوا مراته في مكان حوالين القصر بعيد بنصف ميل تقريباً، وكان في وقت متأخر بالليل.

كانت مراته لابسه فستان واسع، والكتاف متغطية بشال، وراسها فيه رصاصة مسدس … مالقوش جنبها السلاح اللي استخدم في الجريمة، ومكانش فيه أي دليل يثبت إزاي حصلت الجريمة… مفيش سلاح جنبها يا أحمد خذ بالك من النقطة دي.

واضح إن الجريمة حصلت في وقت متأخر بالليل، واللي لقى الجسم واحد من الحراس، ولقاها حوالي الساعة 11:00 بالليل وقتها بلغ الشرطة اللي جت بسرعة، وفحصت الجسم، وبعد كده نقلوا الجسم  للقصر… هل قدرت تفهم اللي عايز أقوله، ولا أنا إختصرت بزيادة؟

قلت: لأ كل شيء واضح بس ليه كانت المربية هي المشتبة الأول في الجريمة؟

عمر: أولا في إثبات قوي، وهو إنهم لقوا في دولاب هدومها مسدس، وفيه رصاصة واحدة ناقصة من الخزنة بتاعته… كمان الرصاص اللي جوه المسدس بيشبه بشكل كبير الرصاصة الموجودة في دماغ الزوجة.

 سكت عمر شوية، وسرح، وهو بيقول الكلمات دي:. في… دولاب… هدومها.

بعد كده سكت عمر، وغرق في تفكير عميق، وشفت في عينيه السرحانة الأفكار اللي بتتحرك في دماغه، وشفت إني هكون غلطان لو قطعت تفكيره.

 فجأة نط عمر من مكانه، ورجع لنفس نشاطه مرة تانية، وقال: أيوه يا أحمد هما لقوا المسدس، وده إثبات قوي ضد الآنسة مش كده؟ هو ده اللي شافه القاضي.

أما الحاجة التانية فهما لقوا رسالة فوق جسم الضحية بتحدد نفس الوقت، والمكان اللي لقوا فيه الجسم، وكانت الرسالة بتوقيع الآنسة دينا… إيه رأيك في ده يا أحمد؟

آخر حاجة خلينا نتكلم عن الدافع… أعتقد إن أستاذ نبيل شخص وسيم، وفي حالة إن تنتهي حياة مراته تتخيل مين اللي ممكن يحل محلها أكتر من أنسة شابه، وجميله… هو ده اللي بيتقال عنها… وبالفعل كان في مشاعر من ناحية المليونير للمربية… تخيل يا أحمد الحب، والفلوس، والسلطة كل ده متوقف على إنتهاء حياة شخص… شيء صعب… شيء صعب جداً.

قلت: أيوه فعلاً يا عمر.

عمر: كمان الآنسة دينا مقدرتش إنها تثبت غيابها عن المكان اللي حصلت فيه الجريمة بالعكس هي إعترفت إنها كانت قريبة من كوبري الفتح، وهو المكان اللي حصلت فيه الحادثة… وفي نفس الساعة تقريباً… هي مقدرتش تنكر ده وده لإن واحد من أهل القرية شافها هناك.

قلت: واضح إن الموضوع منتهي بالفعل يا عمر.

عمر: وأكتر من كده يا أحمد، وأكتر… الكوبري ده عبارة عن جسر من الحجارة موجود عليه عمودين من الجانبين… السور بتاعه من الحديد.

بيستخدموا الكوبري عشان تعدي من فوقيه العربيات، وتحتيه بحيرة طويلة، وعميقة، وحواليها مزارع القصب إسم البحيرة دي بحيرة الفتح، ولقوا الضحية مرمية على أول الكوبري… هي دي الأحداث اللي حصلت… لو مكنتش غلطان هو ده العميل بتاعي… جه بدري عن ميعاده.

فتح عيسى الباب بس الإسم اللي قاله مش هو ده اللي كنا متوقعينه… كان أستاذ مدحت تيسير، وكان شخص غريب علينا إحنا الإتنين… كان شخص رفيع… ضعيف… متوتر… كانت عينيه فيها قلق… كان في تشنج في حركاته، وأعتقد إن أي دكتور كان هيشوفه في اللحظة دي كان هيشخص حالته إنه شخص عنده بداية إنهيار عصبي.

عمر: واضح إنك قلقان يا أستاذ مدحت… أرجوك إتفضل أقعد… أنا أسف مش هقدر أديك إلا وقت قليل فأنا عندي ميعاد الساعة 11:00.

كان الضيف بينهج، وبيقول كلامه بصعوبة: أنا عارف إنك عندك ميعاد مع أستاذ نبيل اللي جاي دلوقتي في الطريق… أنا شغال عند أستاذ نبيل… أنا مدير المزرعة بتاعته… الشخص ده شيطان… شيطان يا أستاذ عمر، وشرير جداً.

عمر: ده كلام صعب يا أستاذ مدحت.

الضيف: أنا لازم أكون واضح يا أستاذ عمر… الوقت ضيق أنا مش عايزه يشوفني هنا هو قرب إنه يوصل… بس أنا مكنتش قادر إني أجي قبل كده… السكرتير أستاذ فتحي مقاليش عن ميعاده معاك إلا النهاردة الصبح.

عمر: إنت مدير المزرعة ؟

الضيف: أنا قلتله على اللي هعمله… بعد أسبوعين من دلوقتي هكون بقيت حر من العبودية اللي هو حاططني فيها… هو شخص صعب يا أستاذ عمر صعب جداً في كل حاجة، والخير اللي بيعمله هو مجرد ستارة على الغلط المستخبي… هو كان قاسي جداً معاها… أيوه يا أستاذ كان قلبه قاسي جداً… أما إزاي هي إنتهت حياتها فأنا معرفش بس أنا متأكد إنه اللي حول حياتها لجحيم… هي إتولدت في بلد أجنبية زي ما إنت عارف…

عمر: لاء أنا معرفش المعلومة دي.

الضيف: كانت مراته من بلد أجنبية بلد جميلة مليانة بالشمس، والحب… حبيته، ولما كبرت، ودبل جمالها بطل يحبها…. أنا كنت أسمع إنها جميلة جداً جداً قبل كده، ولما مبقاش عندها حاجة تخليه يحبها سابها… كنا كلنا بنحبها، وكنا بنكرهه بسبب المعاملة اللي كان بيعاملهالها…

ما تصدقش اللي هيقولهولك… اللي هو مخبيه أكتر من اللي هو بيظهره… أنا همشي دلوقتي… لأ لأ أرجوك ما تأخرنيش هو قرب خلاص إنه يجي.

بص الضيف للساعة اللي موجودة على الحيطة، وظهر عليه قلق شديد، وجري بسرعة ناحية الباب، وإختفي.

سكت عمر شوية، وبعد كده قال:. تمام… تمام… واضح إن الخدم عند أستاذ نبيل ناس مؤدبة، ووفيه، وبالرغم من ده التحذير اللي قالوه هو تحذير مفيد… كل اللي نقدر نعمله إننا نستنى لغاية ما نشوف الراجل بنفسنا.

“الساعة 11:00 بالضبط سمعنا صوت خطوات على السلم، ودخل بعدها المليونير المعروف للأوضة… لما بصيتله قدرت أفهم سبب الخوف، والكره اللي ظهر على مدير مزرعته، وكمان فهمت كره المنافسين الكتير ليه في شغله…

لو كنت نحات، وحبيت إني أرسم صورة لشخص أعصابه حديد، وضميره ميت مكنتش هلاقي أفضل من المليونير، ورجل الأعمال الأستاذ نبيل مجدي عشان أنحته.

كان أستاذ نبيل طويل… ملامحه حادة… وشه فيه ملامح جشعه… كان وشه خشن مفيهوش أي رحمة… مجعد… فيه خطوط حفرها الزمن… كان لون عينيه بني فاتح، وكانت عيونه مليانة بالخبث، وكانت حواجبه تقيلة.

فضل يبصلي أنا، وعمر، وبعد شوية سلم علينا، وقدمني عمر ليه، وبكل ثقة شد كرسي، وحطه جنب عمر، وقعد عليه، وكانت ركبته تقريباً لمسه ركبة عمر”.

إبتدى أستاذ نبيل كلامه، وقال: خليني أقولك يا أستاذ عمر إن الفلوس مش مشكلة أبدا في القضية دي… تقدر تولع فيها لو كان ليها فايدة إنها تنورلك طريق الحقيقة… الست دي ما غلطتش، ولازم نثبت براءتها… لازم تعمل كده… قول المبلغ اللي إنت عايزه.

عمر بهدوء: أنا أجري ثابت، وما بغيروش إلا لو إتنازلت عنه كله للعميل.

أستاذ نبيل: طيب لو ما بتفكرش في الفلوس… فكر في الشهرة اللي هتكسبها لو نجحت في القضية دي… فإسمك هيتكتب في كل جرنان في البلد، وكل الناس هتتكلم عنك.

عمر بلا مبالاة: شكراً يا أستاذ نبيل… أعتقد إني مش محتاج الشهرة… يمكن تكون مش عارف إني بحب أشتغل من غير ما حد يعرفني، وإن القضية نفسها هي اللي بتجذبني ليها… إحنا دلوقتي بنضيع وقتنا خلينا نتكلم عن تفاصيل القضية.

أستاذ نبيل: أعتقد إنك هتلاقي كل التفاصيل في الجرايد معتقدش إن في حاجة ممكن أضيفها ممكن تساعدك… لو كان في حاجة إنت محتاج توضيح ليها فأنا موجود علشان كده.

عمر: تمام في حاجة واحدة بس.

أستاذ نبيل: وإيه هي؟

عمر: إيه العلاقة ما بينك، وما بين آنسة دينا بالظبط يا أستاذ نبيل؟

إنفعل رجل الأعمال المشهور، وإتنفض من مكانه، ووقف من الكرسي… لحظات، وبعدين رجع هدي، وقعد مرة تانية، وقال.

أستاذ نبيل: أعتقد إنه من حقك… لأ كمان ده واجبك إنك تسألني أسئلة زي كده يا أستاذ عمر.

عمر: خلينا نتفق إن إفتراضك ده صح.

أستاذ نبيل: أنا بأكدلك إن علاقتي بالآنسة دينا كانت طول الوقت علاقة صاحب شغل بمربية عنده… متكلمتش معاها، وما شفتهاش أبدا إلا وهي مع أولادي.

وقف عمر من على الكرسي، وقال: أنا شخص عنده مشغوليات كتير يا أستاذ نبيل، ومعنديش وقت للكلام اللي ما لوش لازمة… كمان أنا ما بحبش الكلام الغير مفيد… شرفت.

وقف الضيف من مكانه هو كمان فكان طوله أطول من عمر… كان في غضب في عينيه، وإحمرار في خدوده الباهتة، وقال: إنت قصدك إيه يا أستاذ عمر؟ إنت بترفض إنك تحقق في القضية بتاعتي؟

عمر: تمام يا أستاذ نبيل على الأقل أنا مش موافق على وجودك إنت، وأظن إن كلامي واضح.

أستاذ نبيل: كلامك واضح بس أنا مش فاهم قصدك من وراه إيه؟ إنت عايز تزود أجرك، ولا إنت خايف إنك تمسك القضية ولا إيه؟ أنا من حقي إنك تجاوب على سؤالي.

عمر: تمام يمكن يكون ده من حقك، وأنا هديك إجابة واضحة… في الأول القضية دي صعبة بما فيه الكفاية، ومش محتاجة إننا نضيفلها صعوبات جديدة من معلومات غلط عشان تعقدها، وتصعبها زيادة.

أستاذ نبيل: إنت عايز تقول إني بكدب.

عمر: كنت بحاول إني أجمل كلامي بس لو إنت مصر إنك توصف نفسك بكده فأنا مش هرفض.

إنفعل أستاذ نبيل، وظهر على ملامح وش رجل الأعمال المليونير ملامح غضب حتى إنه رفع إيده لفوق… بس عمر إبتسم، ومد إيده عشان ياخد البايب بتاعه، وقال.

عمر: لو سمحت ما تعملش دوشة يا أستاذ نبيل… أنا بعد الفطار مبحبش أسمع دوشة… أعتقد إن تمشية في هوا الصبح، وتفكير هادي هينفعك.

“حاول المليونير إنه يتمالك أعصابه، وبصراحة في اللحظة دي أنا أعجبت بيه جداً لإنه اتحول في لحظة واحدة من شخص غاضب جداً لشخص قادر إنه يتحكم في نفسه، ويكون عنده برود في أعصابه”.

أستاذ نبيل: زي ما تحب يا أستاذ عمر… إنت ادري بتمشي أمورك إزاي… أنا مش هضغط عليك إنك تمسك القضية غصب عنك… إنت خسرت النهاردة بس أنا عايزك تعرف إني إنتصرت على اللي أقوى منك مفيش شخص وقف قدامي، وكسب أبدا.

عمر بإبتسامة: كتير قالولي نفس الكلام، وبالرغم من كده أنا زي ما إنت شايف… شكراً إنك جيت زرتني… لسه قدامك كتير عشان تتعلمه.

“خرج الضيف، وكان في حالة من الإنفعال والتوتر إلا إن عمر ركز عينيه السرحانة على السقف، وبدأ يدخن في البايب بتاعه في هدوء”.

بعد شوية سأل عمر: في عندك أي أفكار يا أحمد؟

قلت: في الحقيقة يا عمر لازم أقولك إن الشخص ده مش من النوع اللي يسمح إن في حاجة تقف في طريقه، ولما بفتكر إن مراته كانت عقبة في طريقه بخاف… يمكن كان بيضايقها زي ما قال مدير مزرعته وقتها بفكر إني أعتقد…..

عمر: بالظبط هو ده اللي أنا شايفه أنا كمان.

سألت: بس تفتكر إيه العلاقة اللي كانت ما بينه، وما بين المربية… وإزاي إنت عرفت حاجة زي كده؟

 عمر: الخبرة يا أحمد… عن طريق الخبرة لما شفت أسلوبه العاطفي البعيد جداً عن الأسلوب الرسمي…. ولما شفت شكله، ومظهره الجامد ظهرلي إن في مشاعر بينه، وبين المتهمة… رغم إن المفروض إن المشاعر دي تكون للضحية، ولو كنا عايزين نوصل للحقيقة فلازم نفهم طبيعة العلاقة بين التلات أشخاص دول.

إنت شفتني وأنا بهجم عليه، وشفت كمان إزاي قدر إنه يتحكم في أعصابه كمان أنا خدعته لما بينتله إني متأكد من كلامي، وفي الحقيقة أنا كل اللي عندي هو ظن قوي بس.

قلت: يمكن يرجع مرة تانية؟

عمر:أظن إنه هيرجع مرة تانية… لازم إنه يرجع هو مش هيقدر إنه يسيب الأمور على حالها… مش ده جرس الباب؟ فعلاً أهو صوت رجليه… تمام يا أستاذ نبيل… أنا كنت لسه دلوقتي بقول لدكتور أحمد إنك إتأخرت شوية في الرجوع.

“رجع المليونير بحالة أفضل من اللي مشي بيها… يمكن كانت كرامته لسه بتوجعه إلا إن عقله شاف إن من الأفضل إنه يستسلم لو كان عايز يحقق هدفه”.

أستاذ نبيل: أنا فكرت في الموضوع يا أستاذ عمر، وشايف إني إتسرعت لما إتضايقت من كلامك… إنت عندك حق في إنك تناقش معايا تفاصيل القضية أيا كانت إيه هي… أنا شايفك شخص صاحب قدرات، وكفاءة عالية.

بالرغم من كل ده أنا بأكدلك إن علاقتي بالآنسة دينا مالهاش أي دخل في القضية دي.

عمر: أنا اللي أقرر ده مش كده؟

أستاذ نبيل: فعلاً أعتقد كده… إنت زي الدكتور اللي عايز يعرف كل تفاصيل المرض قبل ما يشخص العلاج.

عمر: بالظبط هو الأمر كده، ومفيش شخص مريض بيخبي حقيقة مرضه إلا لو كان عايز يخدع الدكتور.

أستاذ نبيل: يمكن ده يكون صح بس إنت هتتفق معايا يا أستاذ عمر إن ممكن بعض الأشخاص تحس بخجل لما حد يسألهم بشكل صريح عن علاقتهم بست.. وخاصة لو كان الأمر فيه مشاعر حقيقية بالفعل… وأظن إن أغلب الرجاله عندها سر صغير شخصي محتفظين بيه في مكان في نفسهم ما بيسمحوش لاي حد إنه يفرض نفسه، ويتطفل على السر… وإنت بكل بساطة إقتحمت الأمر فجأة… وإن كانت نيتك تشفعلك، وهي إنك كنت بتحاول إنك تنقذها… دلوقتي يا أستاذ عمر الستارة وقعت، وصندوق الأسرار إتفتح تقدر إنك تعرف اللي إنت عايزه… إيه اللي عايز تعرفه؟

عمر: عايزه أعرف الحقيقة.

سكت رجل الأعمال شوية كإنه بيرتب أفكاره… بدأت ملامح وشه تبقى جادة أكتر، ويظهر حزن على وشه، وبعد كده قال.

أستاذ نبيل: أقدر أقولك بإختصار يا أستاذ عمر… بس في حاجات  بتكون مؤلمة، وصعبة على النفس، وعشان كده أنا مش هطول في الكلام، وهقول الضروري بس.

أنا قابلت مراتي في الوقت اللي كنت بدور فيه عن الدهب في دولة أجنبية… كانت مريم بدر بنت واحد من المسؤولين… كانت جميلة جداً… كنت أنا في الوقت ده شاب مليان بالمشاعر… بس في اللحظة دي لما ببص ورايا بمشاعر أقل، وتفكير أكبر لسه بشوفها إنسانة جميلة بجمال رائع، ومدهش.

كانت مريم إنسانة مؤدبة، وكريمة، وأخلاق… كانت مشاعرها حقيقية زي كل بنات بلدها أصحاب المشاعر الحقيقية…

كانت مريم مختلفة عن كل الستات اللي عرفتهم قبل كده… بإختصار أنا حبيتها، وإتجوزتها بس مكنتش أعرف إننا مختلفين عن بعض، وما اكتشفتش ده إلا بعد هدوء المشاعر القوية، وبعد مخلصت حلاوة البدايات، وفضلت الفترة دي بتقاوم إنها تنتهي لسنين.

قل حبي ليها، وهي كمان حبها قل، وده اللي بسط الأمور… بس إنت عارف الستات طبيعتهم عجيبة، ورغم اللي عملته إلا إن مفيش أي حاجة خليتها تبعد عني… أعترف إني كنت قاسي معاها، ويمكن كان قلبي قاسي عليها زي ما بيقولوا، ومكانش ده إلا إني إعتقدت لو قدرت أقتل حبها، أو لو خلتها تبطل تتعلق بيا يمكن كان الموضوع ده بقي مريح لينا إحنا الإتنين…

بس مفيش حاجة غيرتها فضلت تحبني، ويمكن يكون بنفس حب البنت الجميلة اللي عرفتها من 20 سنة، ومهما كان اللي عملته فضلت هي مخلصة ليا ما اتغيرتش.

بعد كده جت الآنسة دينا، واللي جت بسبب إعلان نشرته، وبعد كده بقت المربية للولدين… يمكن إنت شفت صورتها في الجرنان كل الناس بتتكلم قد إيه هي جميلة… مش هكدب عليك مكنتش هقدر إني أعيش تحت سقف واحد مع الست الجميلة دي من غير ما يكون ما بيني، وما بينها تواصل، ومن غير ما أحس بمشاعر ناحيتها… إنت بتلومني على ده يا أستاذ عمر؟

 عمر: أنا ما أقدرش ألومك على مشاعرك بس هلومك إنك إعترفت بيها للبنت اللي كانت تعتبر تحت مسؤوليتك، ورعايتك.

أستاذ نبيل: فعلاً يمكن يكون عندك حق…

للحظة حسيت بغضب في عيون أستاذ نبيل بسبب تأنيب عمر ليه بعد كده قال رجل الأعمال المشهور: أنا ما بقولش إني شخص مبيغلطش… أنا عشت عمري كله راجل إيده بتوصل للي هو عايزه… مفيش حاجة أنا عزتها أكتر من حب الست دي، وإني أنولها، وهو ده اللي أنا قولتهولها.

عمر: إنت إعترفتلها مش كده؟

“كان عمر منفعل جداً… دايماً دي بتكون حالته لما بتتحرك مشاعره”.

أستاذ نبيل: قلتلها إن لو كنت أقدر إني أتجوزها كنت عملت كده بس الموضوع مش في إيدي، وقلتلها إن الفلوس مفيهاش أي مشكلة، وإني كنت هعمل كل حاجة عشان اخليها سعيدة.

عمر بهدوء: كان عرض كريم جداً منك… أعتقد إن كلامك كان كريم جداً يا أستاذ نبيل.

أستاذ نبيل: أسمع يا أستاذ عمر أنا جيتلك عشان تمسك القضية، وتحقق فيها مش عشان تعلمني الأخلاق… أنا مش عايز أسمع إنتقادك.

عمر بجدية: وأنا مش همسك القضية دي إلا عشان خاطر البنت دي… أنا مش شايف إن تهمتها (أيا كانت هي إيه) سيئة بدرجة إعترافك إنت باللي قلته… إنت كنت عايز تبوظ البنت دي اللي كانت مش قادرة تحمي نفسها، وهي في بيتك… إنتم الأشخاص الأغنيا لازم تفهموا إن مش كل حد تقدروا تشتروه بفلوسكم.

“كنت مستغرب جداً من هدوء المليونير قصاد إنتقاد عمر القوي”.

أستاذ نبيل: هو ده اللي أنا حاسس بيه في الموضوع، وبحمد ربنا إن اللي خططتله فشل، وهي رفضت، وكانت عايزة تسيب البيت فوراً.

عمر: وليه ما مشيتش؟

أستاذ نبيل: لإن أول حاجة فيه أشخاص مسؤولين منها مكانش ينفع إنها تخذلهم، وتقطع مصدر رزقها… وبعدين هي وافقت إنها تفضل لما أنا أقسمتلها، وده اللي أنا عملته إني مش هضايقها مرة تانية… بس في حاجة تانية هي كانت عارفة قد إيه إنها بتأثر فيا، وكان تأثيرها أقوى من أي تأثير، وعشان كده حبت إنها تستخدم تأثيرها ده للخير.

عمر: إزاي؟

أستاذ نبيل: في الحقيقة هي عرفت بعض الحاجات عن شغلي… أنا شغلي ضخم جداً يا أستاذ عمر أكتر مما أي حد يتخيل… أنا قادر إني أبني، وأهدم بس أنا دايماً كنت بهدم مكانش الموضوع بيقف عند الأشخاص ممكن يوصل لمجتمع، أو مدينة، أو دولة…

التجارة لعبة صعبة… الضعيف لازم يتهزم فيها، وأنا لعبت اللعبة دي، ومكنتش ناوي أبدا إني أكون ضعيف… بس هي كانت بتشوف الأمور بطريقة مختلفة… أعتقد إنها كان عندها حق… كانت بتشوف واللي قالتهولي إن ما ينفعش إن الشخص يبني فلوسه على حياة الناس الفقيرة… هي دي الطريقة اللي كانت بتبص ليها للأمور.

 أعتقد إنها كانت بتبص لأبعد من الفلوس… كانت بتبص لحياة الناس، ولما لقيتني بسمع كلامها ظنت إنها كده بتقدم خدمة للمجتمع بتأثيرها عليا، وعشان كده قعدت، وبعديها حصلت الحادثة.

عمر: تقدر توضح النقطة دي أكتر من كده؟

سكت المليونير دقيقة، او أكتر، وحط راسه بين إيده، وفضل يفكر، وفي الآخر قال: أنا عارف إن الأمور مش في صالحها… الست ممكن تعيش حياة بينها، وبين نفسها، ويمكن تعمل حاجات ميقدرش الراجل إنه يفسرها… أنا أعصابي ما عادتش مستحملة… في الأول مكنتش فاهم… كنت متخيل إنها عملت حاجة غلط بطريقة غريبة… مش دي طبيعتها بس في حاجة جت في دماغي، وأنا هقولهالك يا أستاذ عمر، ويمكن متكونش مفيدة.

أظن مراتي كانت بتحس بغيرة… مش غيرة الجسم لا غيرة المشاعر، والروح… بالرغم إن مكانش في حاجة تخلي مراتي تحس بالغيرة دي… أعتقد إنها كانت تعرف ده…. هي كانت عارفة إن البنت الأجنبية بتأثر على تصرفاتي، وعلى عقلي بطريقة هي نفسها مكانتش تقدر تعملها، ورغم إن كان تاثيرها شيء إيجابي إلا إن ده مكانش مفيد للوضع اللي إحنا فيه…

كان الكره عامي عقلها، ومغمي عينيها… يمكن كانت بتخطط إنها تنهي حياة الآنسة دينا، أو يمكن كانت عايزة إنها تهددها بالمسدس عشان تخليها تمشي، وتبعد عننا… ويمكن حصلت خناقة بعد كده، و خرجت الرصاصة من المسدس في راس مراتي اللي كانت ماسكة المسدس.

عمر: جه في دماغي بالفعل اللي إنت بتقوله… في الحقيقة هو ده البديل الوحيد اللي ظاهر قدامنا إنه حصل بدل جريمة إنهاء حياة بشكل متعمد.

أستاذ نبيل: بس هي بتنكر إن يكون ده حصل كله.

عمر: طيب بس الموضوع مش واقف على ده مش كده؟ ممكن الواحد إنه يخمن إن الست في الموقف ده جريت على البيت، وكانت في حالة إرتباك شديد، وماسكة المسدس في إيديها، ويمكن تكون رميته في دولاب هدومها، وهي مش عارفة هي بتعمل إيه، ولما حد لقاه حاولت إنها تخرج من الموضوع عن طريق إنها تكذب، وتنكر الأمر، وده لإن كل التفسيرات مكانتش ممكنة … إيه اللي يعارض النظرية دي؟

 أستاذ نبيل: الآنسة دينا هي اللي بتعارضها بنفسها.

 عمر: طيب.

 بص عمر للساعة، وقال: أعتقد إننا ممكن نقدر نطلع تصريح بالزيارة النهاردة، وأنا هوصل لبلدك بالقطر بالليل، ويمكن لما أشوف البنت يكون أمر مفيد للقضية بس مقدرش أوعدك بإن اللي هوصله هيكون زي ما إنت عايز.

                                               لتكملة القصة اضغط الزر بالاسفل



هل كان المحتوى مفيداً؟

نعم
لا
شكرا لك

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى