تحقيقات المفتش عمر قضية (الرسالة المهمة)

كنت نويت إن قضية بيت أكمل جلال تكون آخر قضية أقدمها لصديقي الرائع المفتش عمر… مكانش قراري بسبب قلة القضايا اللي تحت إيدي… أنا عندي في مذكراتي مئات القضايا اللي لسه ما اتكلمتش عنها… كمان مكانش بسبب قلة إهتمام القراء بأساليب عمر الإستثنائية، والفريدة.
السبب الحقيقي للقرار ده هو إن عمر كان رافض إن مغامراته تتنشر بشكل متواصل… كان كتابه القواضي بالنسباله هو تسجيل لقيمة علمية لما كان ده شغله الفعلي… بس بعد ما أعتزل، وكرس حياته لدراسة النحل بقت الشهرة شيء بيضايقه، وطلب مني إني أراعي رغبته في الأمر ده… أخذت فترة لحد ما وافق إني أقدم القضية للقراء، وكانت موافقته بسبب إني وعدت القراء إني أنشر القضية في وقت مناسب… وقلتله إن القضية دي هتكون مناسبة نختم بيها سلسلة القضايا الرائعة، والناجحة… وخاصة إن القضية دي ليها أبعاد دولية، وليها أهمية كبيرة بين كل القضايا… يمكن يلاحظ القارئ إن في بعض الغموض في التفاصيل، وأكيد هيفهم إن ده لسبب قوي.
في سنة… بدون تحديد… كان يوم تلات الصبح في فصل الخريف لقينا إتنين من الضيوف المشهورين جداً موجودين في بيتنا المتواضع في شارع بغداد…
كان الشخص الأول شخص رصين.. مناخيره مدببة عنده بصر حاد، وليه شخصية قوية… كان أستاذ باسم اللي تولى رئاسة الوزراء مرتين…
أما الشخص التاني كان شخص لبسه شيك… بشرته سمرا… واضح إنه في الأربعين من عمره… كان ظاهر عليه إنه شخص صاحب عقل قوي… كان الشخص ده أستاذ تامر وزير الشؤون الخارجية، والسياسي المعروف.
قعد الضيفين جنب بعض على الكنبة اللي كان عليها أوراق متبعترة في كل مكان… وكان واضح على وشهم إرهاق، وقلق، وكان واضح إن الحاجة اللي جايين ليها مهمة جداً.
كانت إيد رئيس الوزراء الرفيعة ماسكة بقوة، وبإنفعال في الشمسية بتاعته، وكان وشه مليان بملامح إكتئاب، وفضل يبصلي أنا، وعمر.
أما وزير الشؤون الخارجية كان كل شوية يلمس شنبه، ويحرك سلسله الساعة بتاعته.
وزير الشؤون الخارجية: لما إكتشفت اللي ضاع مني يا أستاذ عمر… كان الكلام ده النهاردة الصبح الساعة 8:00… بلغت رئيس الوزراء فوراً، وجينا هنا بناءً على نصيحته.
عمر: هل بلغتم الشرطة؟
رئيس الوزراء بشكل حاسم: لأ يا أستاذ ما عملناش، ومنقدرش نعمل كده… لو الأمر وصل للشرطة ممكن يوصل للناس، وده بالضبط اللي إحنا مش عايزينه.
عمر: وليه لاء؟
رئيس الوزراء: لإن الورقة اللي بنتكلم عنها مهمة جداً، وممكن لو إتنشرت يحصل مشاكل دولية كبيرة جداً… مش هكون ببالغ لو قلت إن ممكن تفرق ما بين السلام أو الحرب… لازم نرجعها بشكل سري جداً… يمكن ما نقدرش نرجعها لأن الأشخاص اللي إستولوا عليها عايزين ينشروا اللي جواها على العلن.
عمر: أنا فهمت دلوقتي يا أستاذ تامر… أكون سعيد جداً لو قلتلي تفاصيل إختفاء الورقة دي.
رد تامر: أقدر ألخصلك اللي حصل يا أستاذ عمر… أنا إستلمت الرسالة… اللي بنتكلم عليها هي رسالة من واحد من رؤساء دول الأجانب من ست أيام… وكانت الرسالة دي مهمة جداً، وعشان كده أنا ما سبتهاش في خزنة المكتب بتاعتي… كنت باخدها كل يوم لبيتي… أنا بحتفظ بالأوراق المهمة جوه صندوق خزنة… كانت موجودة لغاية إمبارح بالليل… أنا واثق من ده.
أنا فتحت الصندوق بالفعل في الوقت اللي كنت بجهز فيه للعشا… وشفت الورقة جواه… بس هي إختفت النهاردة الصبح… كان الصندوق موجود جنب المرايا فوق التسريحة طول الليل… وأنا شخص نومي خفيف، ومراتي كمان كده… وأنا، وهي مستعدين إننا نحلف إن محدش قدر يدخل الأوضة فترة الليل… ورغم كده إختفت الورقة.
عمر: إمتى كان العشا؟
أستاذ تامر: كان الساعة 7:30.
عمر: قد إيه عدى من الوقت قبل ما تروح تنام؟
أستاذ تامر: كانت مراتي في المسرح… إستنيتها لما رجعت، وكانت الساعة 11:30، وبعد كده رحنا أوضتنا.
عمر: يعني الخزنة قعدت أربع ساعات بدون مراقبة؟
أستاذ تامر: مش مسموح لأي حد أبدا إنه يدخل الأوضة ما عدا الخادم الصبح… والخادم الخاص بيا، أو الخادم الخاص بزوجتي، وهما الإتنين أشخاص أنا بثق فيهم، وخدمونا من فترة طويلة… كمان هما الإتنين مكانوش يعرفوا إن الخزنة فيها حاجة مهمة أكتر من شوية أوراق مكتبية عادية.
عمر: ومين كان يعرف بوجود الرسالة؟
أستاذ تامر: مفيش أي حد في البيت كان يعرف بيها.
عمر: بس مراتك كانت تعرف مش كده؟
أستاذ تامر: لأ يا أستاذ… أنا ما بلغتش مراتي بأي حاجة إلا لما ضاع مني الجواب النهاردة الصبح.
حرك رئيس الوزراء راسه بالموافقة على اللي قاله وزير الشؤون، وبعد كده قال: أنا عارف قد إيه إنت شخص بتقدر المسؤولية، وان عندك إحساس بالوطنية قوي، وأنا متأكد إن في حالة وجود سر مهم زي ده فإنت هتفضله حتى على علاقاتك الأسرية.
إنحنى وزير الشؤون مع إبتسامة خفيفة، وبعد كده قال: اللي إنت بتقوله حقيقي يا سيادة رئيس الوزراء أنا ما قلتش كلمة واحدة لمراتي عن الأمر ده إلا النهاردة الصبح.
عمر: كان ممكن تخمن الأمر؟
أستاذ تامر: لأ يا أستاذ عمر لا يمكن إن هي تخمن، أو لأي حد إنه يخمن الأمر ده.
عمر: هل في أي حاجة ضاعت قبل كده؟
أستاذ تامر: لأ أبدا يا أستاذ عمر.
عمر: ومين كان يعرف بالرسالة دي في البلد كلها؟
أستاذ تامر: عرف بالرسالة كل أعضاء مجلس الوزراء إمبارح… بس السرية التامة اللي موجودة في كل الإجتماعات أجبرتنا بالإلتزام بيها، كمان الأوامر الصريحة من رئيس الوزراء بالتكتم على الأمر.
حصل لحظة إنهيار سريعة لأستاذ تامر إلا إنه بسرعة رجع إستعاد قناعه السياسي، وقال بصوت هادي: في كمان إتنين، أو تلاتة من الموظفين الإداريين اللي عارفين بموضوع الرسالة… مفيش أي حد في البلد كلها غير دول يعرف بالأمر يا أستاذ عمر.
عمر: بس بالنسبة لخارج البلد؟
أستاذ تامر: أظن إن محدش شافها خارج البلد إلا الشخص اللي كتبها… وأنا متأكد إن حتى وزراء الشخص ده ما شاركوش في الأمر، ولا يعرفوه.
قعد عمر يفكر شوية، وبعد كده قال: دلوقتي أنا لازم أسألك عن طبيعة الورقة دي، وليه إختفائها ممكن يسبب مشاكل دولية خطيرة كده؟
بص الضيفين لبعض، وضم رئيس الوزراء حواجبه، وقال: يا أستاذ عمر… ظرف الرسالة طويل، وورقه لونه أزرق مطبوع عليه ختم على شكل أسد، والختم من الشمع الأحمر، وعنوانه مكتوب بحروف كبيرة، وواضحة بخط الإيد الى….
عمر: للأسف سيادتك كل اللي إنت بتقوله ده كويس إلا إن لازم أعرف أكتر من كده… إيه اللي كان موجود في الرسالة دي؟
رئيس الوزراء: الأمر سري جداً، وللأسف مش هقدر إني أبلغك أنا شايف إن مفيش ضرورة لده… لو قدرت إنك تلاقي بمهاراتك، وقدراتك المعروفة عنك الظرف اللي أنا وصفته، والجواب اللي جواه فهتكون قدمت للبلد خدمة كبيرة، وهتحصل على مكافأة كبيرة جداً.
وقف عمر، وقال بإبتسامة: إنتم الإتنين أكتر أشخاص مشغولين في البلد …أنا كمان مشغول، وعندي كمية كبيرة من المسؤليات… أنا أسف أنا مش هقدر إني أساعدكم في القضية دي… وأي إستمرار للكلام هيكون مضيعة للوقت.
وقف رئيس الوزراء بإنفعال، وقال: استاذ عمر أنا ما إتعوتش….
حاول رئيس الوزراء إنه يتمالك غضبه، ورجع تاني قعد على الكرسي… فظل الكل ساكت لمدة دقيقة أو أكتر، وبعد كده هز رئيس الوزراء كتفه، وقال: لازم نقبل شروطك يا أستاذ عمر أنا عارف إن إنت عندك حق… مش منطقي إنك تمسك القضية من غير ما نكون واثقين فيك.
أستاذ تامر: عندك حق سيادتك.
رئيس الوزراء: أنا هقولك، وهعتمد على سمعتك إنت، وصديقك الدكتور أحمد… أنا بعتمد علي وطنيتك… أنا مقدرش أتخيل إيه المشكلة اللي ممكن تقع فيها البلد لو إتكشف الأمر.
عمر: تقدر تثق فينا، وإنت مطمن.
رئيس الوزراء: الرسالة من ملك لدولة اجنبية إضايق من بعض القرارات السياسية في الدولة… كتب الرسالة على مسؤوليته الشخصية، وبإنفعال، وعرفنا إن وزرائه ميعرفوش أي حاجة عن الموضوع… في نفس الوقت الرسالة مكتوبة بأسلوب مش كويس فيها جمل استفزازية، وتهديدات… أنا واثق إن لو إتعرض الأمر ده على الرأي العام هيحصل إضطراب شديد، ويمكن أكون مش ببالغ لو قلت إن خلال أسبوع ممكن تحصل حرب بسبب الرسالة دي.
كتب عمر على ورقة، وإداها لرئيس الوزراء.
رئيس الوزراء: أيوه فعلاً هو ده الشخص اللي كتب الرسالة… الرسالة اللي إختفت بالطريقة الغامضة النهاردة الصبح… لو الرسالة دي إتعرفت ممكن يحصل حرب يكون سببها إنتهاء حياة ملايين من الناس.
عمر: هل رديت على الشخص اللي كتب الرسالة؟
رئيس الوزراء: أيوه يا أستاذ عمر أنا بعتله رسالة مشفرة بشكل سريع.
عمر: يمكن يكون هو نفسه عايز ينشر الرسالة.
رئيس الوزراء: لأ يا أستاذ عمر أنا متأكد إن هو فهم إن التصرف اللي عمله متسرع، وإن لو إكتشفت الرسالة هيكون خطرها أكبر عليه، وعلى بلاده.
عمر: لو الأمر كده فعلا فمين اللي من مصلحته إنه ينشر الرسالة دي؟ ليه حد يكون عايز يسرقها، أو ينشرها؟
رئيس الوزراء: لحظه يا أستاذ عمر إنت بتاخذني كده لمناطق سياسيه دولية… بس إنت لو بصيت على الوضع الحالي هتفهم السبب… إحنا قوة عسكرية قوية، ولو حاربنا ضد دولة فللأسف هتكون النتائج سيئة للدولة دي… إنت فاهم أنا بقول إيه؟
عمر: يعني من مصلحة أعداء الملك ده إن الرسالة تتنشر عشان يحصل صراع بين بلده، وبلدنا مش كده؟
رئيس الوزراء: أيوه فعلا.
عمر: وهتتبعت الرسالة دي لمين لو وقعت في الإيد الغلط؟
رئيس الوزراء: لأي حد من الحكومات الأجنبية الكبيرة يمكن تكون دلوقتي مسافرة في باخرة بأقصي سرعة.
ظهرت ملامح يأس على وش أستاذ تامر، وتأثر… حط رئيس الوزراء إيده على كتفه، وقال: إنت حظك مش كويس يا صديقي… محدش هيلومك إنت أخدت كل إحتياطاتك… دلوقتي يا أستاذ عمر كل حاجة بقت واضحة، وظاهره بين إيدك… تقترح علينا نعمل إيه؟
عمر، وهو بيهز راسه: أظن سيادتك إن في حرب هتحصل لو مقدرناش نرجع الورقة دي؟
رئيس الوزراء: للأسف ده حقيقي.
عمر: يبقى خلاص سيادتك أجهز للحرب.
رئيس الوزراء: كلامك مش مفهوم يا أستاذ عمر.
عمر: بص للحقيقة يا سيادة رئيس الوزراء، شيء مش معقول إن الرسالة إتاخدت بعد الساعة 11:30 بالليل، وده اللي أنا فهمته… كان أستاذ تامر، ومراته موجودين في الأوضة من الوقت ده لغاية ما اكتشفوا إختفاء الرسالة… يبقى هي إتاخدت بين الساعة 7:30، والساعة 11:30 لإنه واضح إن اللي أخدها أيا كان هو مين كان يعرف إنها موجودة… لو كانت ورقة زي كده مهمة… فأكيد الشخص اللي خدها ما احتفظش بيها، وهو مررها بسرعة للأشخاص اللي هتستخدمها، ومحتاجاها… إيه فرصتنا دلوقتي إن إحنا نلحقها؟ هي بقت بعيدة جداً عن إيدينا.
وقف رئيس الوزراء بإنفعال، وقال: اللي بتقولوا منطقي جداً يا أستاذ عمر… أنا عارف إن الموضوع ما بقاش في إيدينا.
عمر: بس خلينا نفترض مجرد إفتراض مش أكتر إن اللي أخد الورقة الخادم، أو الخدامة….
أستاذ تامر: بس دول أشخاص عواجيز، وكمان أشخاص موثوق فيهم.
عمر: أنا فهمت من كلامك إن أوضتك في الدور التاني… وده معناه إن مفيش أي مدخل ليها من بره البيت، ومفيش أي حد يقدر يوصلها من جوه البيت من غير ما حد يلاحظه… فلازم يكون الشخص اللي أخدها من جوه البيت… الحرامي هياخد الورقة لمين؟ أكيد لواحد من الجواسيس، أو العملاء السريين… في تلاتة معروف عنهم إنهم رؤساء المهنة دي… أنا هبدأ تحرياتي، وأعرف كل واحد منهم فين، ولو في واحد منهم مختفي، وخاصة إختفى إمبارح بالليل فوقتها هنعرف المكان اللي هتروحله الورقة.
وزير الشؤون الخارجية أستاذ تامر: وليه الشخص ده يختفي؟ ممكن ياخدها، ويوديها للسفارة.
عمر: ما اعتقدش… الناس دي بتشتغل بشكل مستقل، وعلاقتها دايماً مع السفارات متوتر.
حرك رئيس الوزراء راسه بمعنى إنه موافق على كلام عمر.
رئيس الوزراء: أعتقد إن إنت عندك حق يا أستاذ عمر شخص زي ده هياخد الورقة القيمة اللي في إيده للقيادة بنفسه… الطريقة اللي إنت ماشي بيها ممتازة… في نفس الوقت ده يا تامر إحنا لازم نكمل واجباتنا المطلوبة مننا… لو حصل أي تطورات خلال اليوم يا أستاذ عمر هنتصل بيك… وأكيد إنت كمان هتبلغنا لو وصلت لجديد في تحرياتك.
سلم الضيفين علينا، وسابوا الأوضة…
بدأ عمري يغرق في تفكير عميق… أما أنا ففتحت الجرنان، وبدأت أقرأ عن جريمة حصلت إمبارح بالليل… في اللحظة دي وقف عمر بإنفعال، وحط البايب بتاعه على رف الدفاية، وقال.
عمر:. أيوه.. مفيش طريقة أفضل من كده للتعامل مع القضية… الموقف صعب بس مش مستحيل… لحد اللحظة دي لو قدرنا نحدد مين اللي أخدها فممكن تكون لسه ما خرجتش بين إيدينا… الموضوع بالنسبالهم في النهاية مسألة فلوس… أنا دلوقتي معايا خزنة الدولة… فلو كانوا هيبيعوها فأنا هشتريها منهم… يمكن يكون الشخص لسه محتفظ بالرسالة، وبيحاول يحدد يبيعها لأي فريق هيدفع أكتر… مفيش حد يقدر ينفذ العملية دي غير إبراهام… أو روبير… أو بيتر… أنا هقابل كل واحد منهم.
بصيت على الجرنان اللي كان في إيدي، وقلت: إنت قصدك بيتر اللي ساكن في شارع…؟
عمر: أيوه.
قلت: بس إنت مش هتقابله.
عمر: ليه؟
قلت: إنتهت حياته.
إندهش عمر جداً من الخبر ده… بصلي عمر بذهول، وبعد كده أخد من إيدي الجرنان… فضل عمر مشغول بقراءة الخبر اللي كان بيقول: جريمة إنتهاء حياة في بيت من البيوت القديمة اللي بترجع للقرن الـ18… حصلت الجريمة بين النهر، والبرج… كان أستاذ بيتر بيسكن في البيت رقم 16 من كام سنة… كان معروف بين جيرانه بشخصيته الجميلة، ومكانته اللي بيستحقها فهو واحد من أفضل المغنيين الصاعدين… أستاذ بيتر شخص غير متزوج عنده 34 سنة… كل اللي موجودين في البيت هي مدام بسمة، وهي مسؤولة البيت، وهي ست عجوزه، وكمان برعي الخادم الخاص بيه.
من عادة مدام بسمة إنها بتروح للنوم بدري، وهي بتنام في الدور الأول من البيت… أما الخادم برعي فكان خارج البيت في زيارة لصديقه… وكان أستاذ بيتر لوحده في البيت من الساعة 10:00.
لحد دلوقتي مش معروف إيه اللي حصل في الفترة دي إلا إن ضابط الشرطة عيسى لاحظ في الوقت اللي كان بيعدي بيه من الشارع الساعة 11:45 بإن باب البيت رقم 16 كان مفتوح… خبط الشرطي على الباب بس محدش رد عليه.
لما شاف الضابط نور في الأوضة اللي قدام دخل في الطرقة، وخبط الباب مرة تانية… بس برضو محدش رد عليه، وبعد كده فتح الباب، ودخل… كانت الأوضة في حالة فوضى…
الضابط شاف إن كل العفش متكوم في جزء واحد في الأوضة، ولقى كرسي واحد مرمي على ظهره في نص الأوضة، وجنب الكرسي ده كان أستاذ بيتر على الأرض، وماسك بإيده رجل الكرسي.
كانت إصابة أستاذ بيتر طعنة في القلب، ومن الواضح إن هو إنتهت حياته في وقتها.
كانت الأداه اللي تمت بيها الجريمة خنجر سحبه المجرم من الأسلحة التذكارية المتعلقة على الحيطة… وواضح إن الجريمة ما تمتش بدافع السرقة، وده لإن كانت الحاجات القيمة موجودة في الأوضة زي ما هي.
كان أستاذ بيتر معروف، ومحبوب بين جيرانه، وعشان كده في حالة من الحزن بسبب جريمة إنهاء حياته البشعة.
سكت عمر فترة، وبعد كده قال: ماشي يا أحمد تفهم إيه من ده؟
قلت: صدفة غريبة.
عمر: صدفه! ده واحد من التلاتة اللي كانوا مشتبهين أساسيين في إختفاء الرسالة… دلوقتي بتنتهي حياته بجريمة بعد ساعات قليلة من إكتشاف إختفاء الرسالة… مستحيل يكون الأمر صدفة… لأ يا عزيزي أحمد… الأمرين متصلين ببعض…لازم يكونوا متصلين ببعض… وهو ده اللي إحنا هنعمله… هنكشف الصلة بينهم.
قلت: أعتقد دلوقتي الشرطة تعرف كل حاجة.
عمر: لأ أبداً هما ما يعرفوش إلا بس الجريمة اللي حصلت في البيت رقم 16… هما ما يعرفوش، ومش هيعرفوا إيه اللي حصل من إختفاء الورقة المهمة… إحنا بس اللي نعرف الحدثين… ونقدر نكشف العلاقة بينهم… في نقطة مخلياني أشك ناحية بيتر، وده لإن الشارع بتاعه مش بعيد عن المكان اللي حصل فيه إختفاء الرسالة إلا بكام دقيقة مشي… أما الشخصين التانيين اللي ذكرت إسمهم بيعيشوا في مكان بعيد جداً عن هنا.
بسبب ده يقدر بيتر إنه يعمل علاقة، ويستقبل رسايل من سكان بيت وزير الشؤون، وهيكون الأمر بسيط أكتر من الرجلين التانيين… يمكن يكون الأمر مجرد تفصيلة صغيرة بس لما تربط الأحداث اللي حصلت في الساعات اللي فاتت… يمكن يثبتلك إنها تفصيلة مهمة…. إيه اللي عندنا دلوقتي؟
في الوقت اللي كان بيتكلم فيه عمر دخلت مدام هالة، ومعاها بطاقة لست… بص عمر علي البطاقة، وبعدين إدهاني، وقال: لو سمحتي بلغي مدام هدير مرات أستاذ تامر إنها تتفضل تدخل.
بعد شوية دخلت أكتر ست جميلة في المدينة كلها… سمعت كتير عن جمالها بس مفيش أي وصف يقدر يوصف الجمال ده، ولا أي صورة فوتوغرافيه تقدر توضح الملامح الرقيقة، والساحرة للوش الجميل، والبديع ده… بس أول حاجة إنتبهنالها مكانش جمالها الرائع كان وشها الباهت، وعينيها اللي بتلمع، وبقها الصغير المسحوب… كان الرعب هو اللي لاحظناه على ملامح وشها مش الجمال.
الضيفة: هل جوزي أستاذ تامر جه هنا يا أستاذ عمر؟
عمر: أيوه يا مدام كان هنا.
الضيفة: أرجوك يا أستاذ عمر ما تقولوش إن أنا كنت هنا.
شاور عمر للضيفة ان هي تقعد على الكرسي.
عمر: إنتي بتحطيني في موقف محرج جداً… أرجوكي إتفضلي إقعدي، وقولي إيه اللي إنتي عايزاة… بس أنا أسف مش هقدر أوعدك بحاجة.
إتحركت الضيفة في الأوضة، وقعدت على الكرسي اللي في ظهر الشباك… كانت شبة الأميرات في طولها، ورشاقتها، وجمالها.
قالت، وهي ضمه إيديها مرة، وإيديها بتترعش مرة تانية: يا أستاذ عمر أنا هكلمك بصراحة، وأتمنى إنك تكون صريح معايا إنت كمان… أنا، وجوزي ما بينا ثقة كبيرة جداً في كل الأمور إلا أمر واحد وهو السياسة…دايماً ساكت في الأمر ده، ومش بيحكيلي أي حاجة.
بس أنا عرفت إن حصل في بيتنا إمبارح بالليل مشكلة كبيرة… عرفت إن في ورقة إختفت… وإن الموضوع ليه علاقة بالسياسة… وجوزي رافض تماما إنه يحكيلي الأمر… بس أنا بقولك إن من الضروري، وبأكد عليك إن ضروري إني أفهم إيه اللي حصل.
إنت الشخص الوحيد بخلاف الشخصين التانيين اللي يعرف الحقيقة كاملة… عشان كده أرجوك، وأتوسل إليك يا أستاذ عمر إنك تقولي إيه اللي حصل، وإيه اللي هيترتب علي ده.
أرجوك قولي كل حاجة… أنا بأكدلك إن ده في مصلحته…؟
عمر: مدام إنتي بتطلبي مني المستحيل.
إنهارت الضيفة، وحطت وشها بين إيديها.
عمر: لازم تفهمي إن الأمر ده مستحيل… لو كان جوزك نفسه شايف إن من المناسب إنك ما تعرفيش الأمر فهل إنتي متخيلة إن أنا اللي هعرفهولك… أنا اللي لسه عارف بالحقيقة بعد ما تعهدت إني أحفظ السر… عايزاني أنا اللي أبلغك؟! مش منطقي إنك تطلبي الأمر ده مني… وجهي السؤال ده لجوزك.
الضيفة: أنا سألته فعلاً…. وجيتلك لما لقيتك الحل الأخير بالنسبالي… بس إنت تقدر يا أستاذ عمر إنك تقولي أي حاجة أرجوك، وضحلي أمر واحد مهم.
عمر: وإيه هو يا مدام؟
الضيفة: هل مستقبل جوزي السياسي هيتأثر بسب الحادثة دي؟
عمر: في الحقيقة لو مقدرناش نصلح الوضع فأكيد المشكلة هتكون كبيرة جداً.
شهقة الضيفة شهقة قوية… كإنها كانت خايفة من حاجة، وكلام عمر أثبتوه.
الضيفة: عندي سؤال تاني أنا فهمت من كلمة فلتت من لسان جوزي لما إتصدم بإختفاء الورقة إن الورقة دي هيحصل بسببها مشكلة كبيرة للبلد.
عمر: لو كان هو قال كده فأنا مقدرش أنكر اللي قاله.
الضيفة: وإيه هي المشكلة دي؟
عمر: للأسف يا مدام إنتي رجعت تاني تسألني عن حاجات مقدرش إني أجاوبك عليها.
الضيفة: يبقى مش هضيع وقتك أكتر من كده…أنا مقدرة موقفك جداً، ومش هلومك يا أستاذ عمر… أنا متأكدة إن إنت مش هتفهمني غلط لإن أنا حبيت إني أشارك جوزي في مشكلته حتى لو كان ده ضد رغبته… أرجوك مرة تانية متبلغوش إني جيت.
وقفت الضيفة، وإتحركت ناحية الباب، ولفت، وبصتلنا بوشها الجميل الخايف، وعنيها المرعوبة، وبعد كده مشت.
بعد ما إختفى صوت خطوات الضيفة قال عمر بإبتسامة: دلوقتي يا أحمد… أنا عارف إنك بتفهم كويس قوي في الجنس اللطيف قولي إيه اللي الست الجميلة دي عملته، وإيه اللي كانت عايزاة؟
قلت: الأمر واضح جداً هي قلقانة على جوزها.
عمر: بس يا أحمد بص على شكلها، وطريقتها، ونفعلها، وإنها مصممة إنها تسأل أسئلة… مش عايزاك تنسى إن هي من طبقة إجتماعية ما بتظهرش مشاعرها بسهولة.
قلت: أكيد كانت متأثرة جداً.
عمر: كمان عايزك تاخد بالك قد إيه كانت بتأكدلنا إن من الأفضل لجوزها إنها تعرف كل حاجة… إيه اللي كانت بتقصده؟ وكمان هل خدت بالك ان هي قعدت في الكرسي اللي في ظهر الشباك، وده عشان يكون الضوء في ظهرها، ومنقدرش إن إحنا نشوف تعبير وشها كويس.
قلت: هي قعدت على الكرسي الوحيد في الأوضة.
عمر: بس دايماً الستات بتكون غامضة جداً… إنت فاكر الست اللي في مدينة… إللي أنا شكيت فيها بسبب نفس الحاجة… فاكر لما كان حل القضيه كله متركز في إنها ما حطتش بودرة التجميل على مناخيرها…أغلب أفعالهم التفاهة ممكن يكون ليها معنى كبير… ركز يا أحمد.
قلت: إنت هتمشي؟
عمر: أيوه هقضي النهار مع أصدقائي في الشرطة في البيت رقم 16… حل قضيتنا عند بيتر…يمكن لغاية دلوقتي أنا مش متصور إزاي… بس هيكون غلط كبير إن إحنا نفسر الأمور من قبل ما نعرف الحقائق… أرجوك يا أحمد خليك منتبه لأي ضيف جديد… لو قدرت هكون موجود في وقت الغدا.
لتكملة القصة اضغط الزر بالاسفل