في سماء الليل الواسعة، تدهشنا دائماً الظواهر الفلكية بجمالها وغموضها. وبين النجوم والكواكب التي تزين السماء، يظل كوكب المريخ هو الكوكب الأفضل بين الكواكب بالنسبة لكوكب الأرض. هو الكوكب الأحمر، واحد من أكثر الأجرام السماوية إلهاماً للبشر. فتلك النقطة اللامعة التي تحمل تاريخاً من الاستكشافات والأسرار تقترب الليلة من كوكبنا في مشهد فريد. هذا التقارب بين الأرض والمريخ ليس مجرد ظاهرة عابرة، بل هو لحظة تذكرنا بعظمة الكون واتساعه، حيث تقف الأرض والمريخ على مسافة تتيح للبشر التفاعل مع هذه العجائب السماوية، إما بالنظر أو بالتأمل في المستقبل الذي قد يحمل مزيداً من الاستكشافات. ومن خلال هذا المقال سوف نوضح لكم أقرب مسافة من الأرض، استعدوا لرؤية المريخ.
استعدوا هذه الليلة.. المريخ في أقرب مسافة من الأرض
يصل كوكب المريخ اليوم إلى أقرب مسافة من الأرض والتي تسمى بالحضيض، وسوف تكون المسافة 95,742,637 مليون كيلومتر في ظاهرة تحدث كل عامين تقريباً، والتي ليس لها أي تأثير على كوكب الأرض. وتعتبر هذه الظاهرة الفلكية مثيرة للاهتمام لأنها تمنح العلماء وعشاق الفضاء فرصة فريدة لمراقبة المريخ عن قرب. وبينما تبدو هذه المسافة قريبة مقارنة بما نراه عادة، إلا أن المريخ لا يزال بعيداً جداً عن الأرض. ورغم هذا، تتيح هذه الفرصة إمكانية متابعة التفاصيل الدقيقة على سطح الكوكب الأحمر باستخدام الأجهزة المناسبة. وتأتي هذه اللحظة مع اهتمامات علمية متزايدة باستكشاف المريخ كأحد الأهداف المستقبلية للبشرية في الرحلات الفضائية.
الارتباط بين الحضيض والتقابل
كشفت الجمعية الفلكية بجدة في تقرير لها أن كوكب المريخ وصل إلى أقرب مسافة من كوكب الأرض وأصبح الترابط بينهما بشكل شبه متزامن مع ظاهرة أخرى تسمى التقابل عادة بفاصل زمني يصل إلى بضعة أيام حالياً، بسبب أن مدار الأرض والمريخ حول الشمس لهما شكل إهليجي وليس دائرياً، كما أنهما ليسا على نفس المستوى في الحركة. وعليه، فإن الفاصل الزمني بين تقابل المريخ وأقل مسافة له من الأرض يمكن أن يصل إلى ثمانية أيام ونصف يوم كما حدث في عام 1969، أو أقل من 10 دقائق كما سيحدث في عامي 2208 و2232.
أفضل وقت لرصد المريخ
إن هذه الظاهرة ينتظرها الكثير من عشاق الفضاء والكواكب، ونظراً لأن حجم إضاءة كوكب المريخ تزداد في سماء الليل عندما يكون قريباً من الأرض، فإن الأيام القريبة من الحضيض تمثل أفضل وقت لرصده. بالإضافة إلى أن لمعانه يفوق كل النجوم حالياً، وأن هذا التأثير واضح لأن المريخ قريب من كوكب الأرض في النظام الشمسي، حيث يدور بعيداً عن الشمس قليلاً منا على مسافة متوسطة. نتيجة لذلك، فإن أكبر تباين بين جميع الكواكب في المسافة التي تفصلها عن الأرض يعتمد على ما إذا كان الكوكب على جانبي الشمس أو يمران بجانب بعضهما.
رؤية المريخ واقماره
إن رصد كوكب المريخ سيكون في الأفق الشمالي الشرقي بعد بداية الليل، وسيبقى مشهوداً إلى فجر اليوم التالي. ويجب التأكد بأنه بالرغم من أن المريخ سيكون في أقرب مسافة من الأرض، فإنه سيظهر للراصد بالعين المجردة كنقطة ضوئية برتقالية مائلة للحمراء، ومن خلال المناظير يمكن رؤيته كقرص ضوئي. إضافة لذلك، تعتبر هذه الفرصة للبحث عن أقمار المريخ الصغيرة جداً، فوبوس الذي يبلغ قطره 22.2 كيلومتر لكنه أكبر بسبع مرات من القمر الثاني ديموس الذي يبلغ قطره حوالي 12.4 كيلومتر. كم هو جبل العلم أن كلاهما ليس دائري الشكل، ونادراً ما يُرى في صورة الكوكب الأحمر، والتي يعتقد البعض بأنها أقرب ما تكون إلى كويكبات أكثر منها أقماراً كبيرة مثل قمر الأرض، ويحتمل أن المريخ قد قبض عليها بقوة جاذبيته.
تفاصيل سطح المريخ ومعداته
يعتبر المريخ هو الكوكب الوحيد الذي يمكن رؤية تفاصيل سطحه من الأرض، أما كوكب عطارد فهو صغير جداً، في حين أن الكواكب الأخرى مغطاة بالغيوم، لذلك فهو حدث مثالي لجميع الأشخاص الذين يحبون هذه الظواهر، حيث يكون المريخ مرئياً بشكل واضح ومميز طوال الليل، ويسهل تحديده في قبة السماء. فإن كنت ترغب في تفاصيل كوكب المريخ، فتحتاج إلى الراصد لاستخدام تلسكوب مقاس 8 بوصات وأكبر، ويفضل استخدام مرشحات لونية مناسبة لتحسين الرصد، حيث سيعزز الفلتر الأخضر أو الأزرق القبة القطبية، ويعد الفلتر الأحمر أو البرتقالي من الأدوات التي تعمل على تحسين التفاصيل الداكنة، إلى جانب استخدام عدسة بارلو التي تربط بالعدسة العينية للتلسكوب لتحسين الرؤية.
الفرص المستقبلية لرصد المريخ
ممكن رؤية مناطق مظلمة ومناطق فاتحة على كوكب المريخ، وذلك لأن المريخ يحمل اختلافات في عكس الضوء، حيث تمثل المناطق الفاتحة الصحاري، في حين أن المناطق الأكثر قتامة هي المناطق التي تمثل الصخور. بالإضافة إلى ذلك، تتألق القبة القطبية الشمالية للكوكب بشكل لامع، واحتمال رؤية غيوم زرقاء تنتشر فوقه، وسبب لونها الأزرق أنها تتكون من بلورات جليدية من الماء وثاني أكسيد الكربون، التي تبعثر الأطوال الموجية القصيرة الزرقاء من ضوء الشمس. علماً بأن الأمطار تتساقط على المريخ نهائياً، لأن غلافه الجوي رقيق ودرجة الحرارة عليه منخفضة، والضغط يعني أن الماء لا يمكن أن يوجد هناك إلا على شكل بخار أو جليد.
فرص الرصد المتكررة لمعالم المريخ
نظراً لأن الأرض تدور حول محورها أسرع بحوالي 40 دقيقة من المريخ، فمن الممكن على مدى أسابيع قليلة قادمة رؤية العديد من المعالم السطحية بواسطة التلسكوب فقط. وعند رصد المريخ من موقع مظلم وسماء صافية خالية من وجود القمر، سوف تكون هناك فرصة لرؤية أقمار المريخ من خلال التلسكوب، إلا أنها غير مرئية بالعين المجردة بشكل عام. ستمنح الأسابيع المقبلة الفرصة لرؤية معالم مختلفة لسطح المريخ أثناء دوران الكوكب حول نفسه، وعلى عكس أغلب الأحداث الفلكية التي تستمر لفترات قصيرة أو لليلة واحدة، ستوفر فترة هذا الحدث العديد من الفرص للرصد المتكرر وتحسين مهارات الرصد.