تحذير طبي من الإفراط في تناول الدهون الحيوية
الدهون النافعة ليست آمنة تمامًا عند الإفراط

حذر خبراء التغذية والصحة العامة من الإفراط في تناول الدهون الحيوية، المعروفة أيضًا بالدهون النافعة أو غير المشبعة، والتي رغم فوائدها للجسم إلا أن زيادتها في النظام الغذائي قد تؤدي إلى نتائج عكسية خطيرة. الدهون الحيوية توجد في زيت الزيتون، والمكسرات، والأسماك الدهنية مثل السلمون والتونة، وهي ضرورية لصحة القلب والمخ، وتساعد في خفض الكوليسترول الضار. لكن مع الإفراط في استهلاكها، تتجاوز السعرات الحرارية الموصى بها يوميًا، ما يؤدي تدريجيًا إلى زيادة الوزن، ثم السمنة، ومنها إلى مشاكل أكبر مثل تصلب الشرايين وأمراض القلب. التحذير لا يعني التوقف عن تناول هذه الدهون، بل التعامل معها باعتدال ووعي. الاعتقاد الخاطئ بأن الدهون النافعة يمكن تناولها بلا حساب يؤدي إلى اضطرابات غذائية طويلة الأمد. كل غرام من الدهون يحتوي على 9 سعرات حرارية، سواء كانت ضارة أم نافعة، ما يجعل التحكم في الكمية ضرورة لصحة مستدامة، وليس مجرد خيار.
الدهون النافعة ليست آمنة تمامًا عند الإفراط
رغم أنها تُعرف بـ”الدهون الصحية”، فإن الدهون غير المشبعة قد تتحول إلى عنصر مضر إذا تم تناولها بإفراط، بحسب ما أكده أطباء التغذية بالمراكز البحثية. الفكرة الشائعة بأن زيت الزيتون يمكن استخدامه بلا قيود أو أن حفنة كبيرة من المكسرات يوميًا أمر صحي تمامًا هي تصور غير دقيق. هذه الدهون وإن كانت مفيدة في تقليل الالتهابات وتحسين مستويات الكوليسترول، فإنها تبقى دهونًا عالية السعرات، وتراكمها في الجسم دون حرق يؤدي إلى زيادة الوزن. المشكلة أن كثيرًا من متبعي أنظمة التغذية الصحية لا يراقبون الكميات، خاصة عند تناول السلطات أو السموثي أو الوجبات الخفيفة الغنية بالدهون النافعة. الإفراط في ذلك يُربك توازن السعرات اليومية ويعطل خسارة الوزن، بل قد يؤدي إلى زيادته دون أن يدرك الشخص السبب. لذلك، ينصح الخبراء باستخدام موازين دقيقة للدهون حتى في الأنظمة الصحية، فالمعيار ليس نوع الدهون فقط، بل أيضًا كميتها وتكرار تناولها.
خطر السمنة يبدأ من التغافل عن السعرات
يرتبط تناول الدهون الحيوية بشكل مباشر بزيادة السعرات الحرارية، وهي العامل الأساسي في زيادة الوزن والسمنة، حتى إن لم تكن الدهون ضارة من الناحية البيوكيميائية. الجسم لا يميز بين مصدر السعرات، فهو يخزن الفائض على هيئة دهون في الجسم، ما يعني أن السعرات الزائدة من زيت الزيتون أو المكسرات قد تُخزن تمامًا كالسعرات الناتجة عن الأطعمة السريعة. الخطر الحقيقي يكمن في التهاون بحساب الكميات، خاصة مع الدعاية المنتشرة التي تصف هذه الدهون بـ”الآمنة” و”الضرورية”، دون التوضيح أنها مفيدة فقط ضمن حدود معينة. السمنة الناتجة عن الدهون النافعة لا تقل ضررًا عن تلك الناتجة عن الدهون المشبعة، لأنها تضع القلب والمفاصل والجهاز الدوري تحت ضغط متواصل. التغافل عن السعرات هو أول خطوة نحو السمنة الخفية، التي تتسلل للجسم تدريجيًا رغم نمط الغذاء الصحي الظاهري، لذا فالمعادلة الحقيقية تبدأ من التوازن، وليس فقط من نوعية الغذاء.
تصلب الشرايين لا يميز بين دهون صحية وغير صحية
يعتقد البعض أن تصلب الشرايين يحدث فقط نتيجة تناول الدهون المشبعة أو المهدرجة، لكن الواقع الطبي يؤكد أن الإفراط في تناول الدهون غير المشبعة، دون توازن عام في النظام الغذائي، قد يؤدي إلى نفس النتيجة. تصلب الشرايين هو تراكم للدهون داخل جدران الأوعية الدموية، ويحدث عندما تتجاوز الدهون المتناولة قدرة الجسم على التعامل معها أو تحويلها إلى طاقة. الدهون النافعة مثل أوميغا 3 و6، رغم دورها الإيجابي في تقليل الكوليسترول الضار، إلا أن كميات زائدة منها دون نشاط بدني أو توازن غذائي قد تُحدث ضغطًا على الكبد وتزيد من تخزين الدهون داخل الشرايين. تحذير الأطباء هنا لا يستهدف الدهون ذاتها، بل العشوائية في تناولها، إذ يجب أن تُدرج ضمن خطة غذائية متكاملة لا تعتمد فقط على نوع الدهون، بل أيضًا على الكميات، التوقيت، والاحتياجات الفعلية للجسم بحسب العمر والنشاط والحالة الصحية.
أمراض القلب لا تستثني من يفرط في الدهون الصحية
أمراض القلب لا تنتج فقط عن الدهون الضارة أو النظام الغذائي السيئ، بل قد تصيب أيضًا من يفرطون في تناول الدهون الصحية باعتقاد أنها آمنة. الدراسات الحديثة أظهرت أن الزيادة في السعرات، حتى لو من مصادر نافعة، قد تؤدي إلى تراكم الدهون الحشوية التي تحيط بالقلب والأعضاء الحيوية، وتزيد من فرص الإصابة بارتفاع ضغط الدم واضطرابات نظم القلب. كما أن الدهون الزائدة قد تؤثر على استقلاب الجسم للدهون والكوليسترول بشكل عام، فتفقد الدهون النافعة دورها الطبيعي وتصبح عبئًا على الجسم. الخبراء ينصحون بربط تناول الدهون الصحية بنمط حياة نشط، يشمل المشي اليومي وممارسة الرياضة لتفادي آثارها الجانبية عند زيادتها. التغذية السليمة لا تعني فقط اختيار مكونات مفيدة، بل تعني بناء نظام غذائي متوازن يتكامل فيه النوع مع الكم. حماية القلب لا تتحقق من الطعام وحده، بل من أسلوب الحياة الكامل الذي يحكم كل تفصيلة في العادات الغذائية.
التوازن هو كلمة السر في التعامل مع الدهون
في مواجهة الجدل الدائم حول أنواع الدهون وكمياتها، يظل التوازن هو كلمة السر كما أوصى به المركز القومي للتغذية. لا توجد دهون “سيئة بالمطلق” أو “نافعة دون حدود”، فكل مكون غذائي يحمل جانبًا مفيدًا وآخر ضارًا بحسب الكمية وطريقة الاستخدام. الدهون الحيوية مثل أوميغا 3، وزيت الزيتون، وزيوت البذور، تلعب أدوارًا مهمة في وظائف الجسم، لكنها تصبح ضارة إذا تجاوزت الاحتياجات اليومية، وهو ما يحدث غالبًا في الأنظمة الغنية بالمكسرات والزيوت النباتية. التوازن يبدأ من تحديد الكمية اليومية المسموح بها من الدهون، والتي لا تتعدى 20–35% من إجمالي السعرات اليومية، مع مراعاة توزيعها على الوجبات وتجنب التكرار الزائد لنفس المصدر الدهني. اتباع قاعدة “قليل دائم خير من كثير منقطع” قد يكون أفضل أسلوب لتجنب مخاطر الدهون الصحية. فالتوازن لا يعني الحرمان، بل حسن الاختيار والاعتدال، وهو ما يصنع الفرق بين الغذاء كدواء، والغذاء كمصدر لمتاعب صحية متراكمة.
المكسرات وزيت الزيتون.. مفيدة لكن باعتدال
رغم ما تحمله من فوائد صحية، فإن المكسرات وزيت الزيتون يمكن أن تكون سببًا خفيًا لزيادة الوزن وتراكم الدهون إذا تم تناولهما بإفراط. حفنة صغيرة من المكسرات تحتوي على مئات السعرات الحرارية، وكذلك ملعقة كبيرة من زيت الزيتون قد توازي قطعة كاملة من الجبن من حيث السعرات. هذه الكمية القليلة في الحجم، الكبيرة في الطاقة، تجعل من الضروري استخدام أدوات قياس دقيقة عند إضافتها إلى الطعام. الإفراط في هذه الدهون النافعة يؤدي إلى رفع إجمالي السعرات اليومية بسهولة، خاصة في غياب نشاط بدني كافٍ لحرق هذه الزيادة. النصيحة الذهبية هي الاكتفاء بكميات محددة: ملعقة أو اثنتين من الزيت يوميًا، وكمية لا تتجاوز 20–30 غرامًا من المكسرات. من المهم أن يعي الأفراد أن الغذاء الصحي لا يعتمد على نوع واحد مفيد يتم الإكثار منه، بل على مجموعة متنوعة من الخيارات المتوازنة التي تُؤخذ ضمن احتياجات الجسم وليس رغبات الشهية فقط.
الدهون الحيوية وتأثيرها على الكبد والكوليسترول
أحد الآثار غير المتوقعة للإفراط في تناول الدهون الحيوية هو تأثيرها على الكبد ووظائفه الحيوية، خاصة إذا تجاوزت قدرة الجسم على استيعابها. الكبد مسؤول عن معالجة الدهون وتحويلها إلى طاقة أو تخزينها عند الحاجة، لكن عند التناول المفرط، يبدأ الكبد في تراكم الدهون داخله، وهو ما يُعرف بالكبد الدهني غير الكحولي. هذه الحالة قد تؤدي إلى التهابات مزمنة، ضعف في وظائف الكبد، بل وتحول الحالة إلى تليف مع مرور الوقت. كذلك، قد يختل توازن الكوليسترول في الجسم، فتزيد مستويات الكوليسترول الكلي أو الدهون الثلاثية رغم أن المصدر الغذائي يبدو “صحيًا”. لذلك، يُنصح بإجراء تحاليل دورية للكبد والكوليسترول لدى الأشخاص الذين يتبعون أنظمة غذائية عالية الدهون الصحية، خصوصًا عند ظهور أعراض مثل الإرهاق المزمن أو ألم في الجزء العلوي من البطن. الغذاء الصحي لا يعني بالضرورة الأمان المطلق، بل هو التزام دائم بالمراقبة والتوازن والتقييم المستمر.
الفهم الخاطئ للدهون الصحية يضر أكثر مما ينفع
يُعد الفهم الخاطئ للدهون الصحية أحد أسباب الوقوع في فخ الإفراط دون وعي، ما يؤدي إلى نتائج صحية عكسية رغم النية الجيدة. كثير من متبعي الحميات الغذائية، وخاصة النباتية أو المتوسطية، يعتقدون أن كل ما هو “صحي” يمكن تناوله بلا حساب، فيُكثرون من إضافة الزيتون، وزيت الكانولا، والأفوكادو، والمكسرات إلى كل وجبة. هذا السلوك الغذائي وإن بدا متوازنًا من الخارج، إلا أنه يحمل سعرات حرارية كبيرة تُخزن في الجسم وتتراكم ببطء. الخطورة لا تكمن في الدهون ذاتها، بل في الاعتقاد الخاطئ أنها لا تسبب ضررًا، وهو ما يؤدي إلى تجاهل الكميات أو تكرار مصادر الدهون في نفس اليوم. الفهم الصحيح يبدأ من إدراك أن الصحة ليست مرتبطة فقط بالمصدر الغذائي، بل بتكامله مع بقية مكونات الوجبة، ومع نمط الحياة بالكامل. التوعية الغذائية يجب أن تشمل هذا الجانب المفاهيمي، لا أن تقتصر على تصنيف الدهون إلى نافعة وضارة فقط، بل إلى معتدلة أو مفرطة بحسب طريقة الاستخدام.
نمط الحياة الصحي يشمل مراقبة الدهون بجميع أنواعها
اختتامًا، شدد الخبراء على أن نمط الحياة الصحي لا يعني فقط الابتعاد عن الأطعمة المصنعة، بل يشمل أيضًا مراقبة كمية الدهون بجميع أنواعها، بما في ذلك الصحية. ممارسة الرياضة، النوم المنتظم، تقليل التوتر، وتناول الطعام بوعي، كلها مكونات تُكمل بعضها لتحقيق التوازن المطلوب. الإفراط في الدهون النافعة، كما في الضارة، يُعد خطأً في الأساس الغذائي للفرد، ويكشف عن خلل في فهم العلاقة بين الغذاء والطاقة. الإنسان الذي يتحرك قليلًا لا يحتاج نفس كمية الدهون التي يحتاجها الرياضي أو من يعمل في وظائف بدنية. لذلك، يجب تخصيص النظام الغذائي وفقًا للنشاط والاحتياج، وليس التوجه العام أو الترندات الصحية المنتشرة. الاعتدال لا يُضعف الفائدة، بل يُعظمها على المدى الطويل، ويجعل من الغذاء وسيلة للوقاية لا عبئًا خفيًا يؤدي إلى أمراض صامتة مثل السمنة وتصلب الشرايين. هكذا يتحقق المعنى الحقيقي لنمط حياة صحي، يقوم على العلم، والوعي، والانضباط.