تحقيقات المفتش عمر قضية (الجوهرة والوزة)

في يوم زرت صديقي عمر الصبح… كان قاعد على الكنبة، ولابس البيجامة المريحة، وحاطط البايب بتاعه قريب منه، وكان في مجموعة كبيرة من الجرايد اللي واضح إن هي إتقرإت من قريب.
جنب الكنبة كان في كرسي محطوط عليه طاقية مستهلكة، وبشعة من الصوف الناشف، كانت حالتها سيئة جداً من كتر إستخدامها، كان فيها كمية كبيرة من الفتحات… كان جنب الطاقية عدسة عمر المكبرة، وملقاط… فهمت إن عمر بيفحص الطاقية.
سألت: أعتقد إن إنت مشغول يا عمر… هل قاطعتك؟
عمر: أبدا… أنا مبسوط إن ليا صديق أقدر أتكلم معاه عن النتائج اللي وصلتلها… وهو أمر بسيط جداً.
شاور عمر على الطاقية القديمة، وقال: بس فيها مجموعة من التفاصيل المثيرة…كان الوقت ده من السنة برد جداً، حتى إن التلج كان بيتساقط.
قعدت على الكرسي، ومديت إيدي قدام الدفاية، وقلت: أظن إن القبعة البشعة دي ليها علاقة بجريمة، وهي اللي هتساعدك في إنك تحل الغز، وتقبض على المجرم؟
عمر، وهو بيضحك: لاء يا صديقي أحمد… مفيش أي جريمة… الموضوع صغير بيحصل لما يعيش ملايين من الناس في مكان واحد على مساحة كام ميل مربع، وبين الفعل ورد الفعل بين مجموعة أشخاص تقدر إنك تتخيل مجموعة الأحداث الصغيرة اللي ممكن تكون عجيبة…بس مفيهاش أي جريمة، وأنا، وإنت يا أحمد شوفنا الأحداث دي قبل كده.
قلت: فعلاً شفنا كثير منها… تقريباً التحقيقات الستة الأخيرة اللي كتبتهم في مذكراتي… كان في تلاتة منها مفيهاش أي جريمة.
عمر: فعلاً يا أحمد أنا عارف إنت بتتكلم على قضية إيرين أدلر، وقضية آنسه ميري سيزر، وقضية صاحب الشفة المقلوبة… أعتقد إن القضية دي هتبقى من نفس فئة الأحداث اللي فاتت.
يكمل عمر: إنت تعرف بيتر؟
قلت: أيوه الحارس اللي بيلبس ملابس رسمية.
عمر: الثروة اللي قدامنا دي تخصه.
سألت: الطاقية دي بتاعته؟
عمر: لاء هو لقاها، وصاحب الطاقية مش عارفينه… أرجوك يا أحمد متبصلهاش إن هي طاقية قديمة… بصلها إن هي مشكلة محتاجة حل، وتفكير… هحكيلك الطريقة اللي وصلتلي بيها…. هي وصلت النهاردة الصبح مع وزة سمينة… وأعتقد إن هي بتتسوى في الفرن دلوقتي في بيت بيتر.
الحقيقة يا صديقي اللي حصل إن إمبارح بعد نص الليل كان بيتر، وإنت عارف إن هو شخص محترم، وأمين جداً… كان راجع لبيته في شارع الجمهورية… شاف قدامه شخص طويل… ماشي بشكل مش مستقيم، ومعاه وزة مدبوحة لونها أبيض، ولما وصل عند أول الشارع حصل خناقة بين الشخص ده وبين مجموعة من الأشخاص السيئين.
واحد من الأشخاص ضربوه فوقعت طاقيته… حاول الشخص الطويل إنه يدافع عن نفسه رفع عصاية، وأول ما حركها كسر إزاز شباك محل كان جنبه.
جري بيتر علشان يساعد الشخص الطويل من الأشخاص السيئين.. بس الراجل إتخض من إزاز الشباك اللي كسره.. وإن في شخص لابس لبس رسمي بيجري ناحيته.
وقعت الوزة من إيده، وجري بسرعة هربان من بيتر لأنه إفتكروه راجل شرطة، وفي نفس الوقت إختفى الأشخاص السيئين لما شافوا بيتر.
إختفى الكل، وفضل على الأرض الوزة السمينة الرائعة، والطاقية القديمة دي.
قلت: بس هو كان لازم يرجعها لصاحبها.
عمر: هنا المشكلة يا صديقي.. إحنا لقينا كارت مربوط في رجل الوزة مكتوب عليه إهداء مدام هاني بدر، وفي نفس الوقت لقينا الحرفين هـ ، ب، على الطاقية من جوه…. في الحقيقة يا صديقي العائلات اللي بإسم بدر كتير جداً، ونفس الأمر الأشخاص اللي إسمهم هاني بدر موجودين بكمية كبيرة أوي في مدينتنا… وهنا المشكلة إن مش هينفع نرجع الحاجات الضايعة دي لصاحبها.
سألت: وإيه اللي عمله بيتر؟
عمر: جابلي الوزة، والطاقية… وده لإنه عارف إني بحب القضايا الصغيرة الغامضة… فضلت الوزة موجودة لغاية النهاردة الصبح، ولما ظهر عليها إنها إحتمال تبوظ رغم البرد الشديد اللي إحنا فيه…. فكان من الأفضل إنها تتاكل أحسن ما تبوظ.
خدها بيتر، وأنقذها إنها تبوظ، وطبخها في الفرن… وفضلت معايا طاقية الشخص الطويل اللي مش عارفين هو مين، واللي للأسف ضاع منه غداه.
قلت: وهل نزل إعلان في الجرايد؟
عمر: لاء ما عملش كده؟
قلت: وإزاي هتعرف مين صاحبها؟
عمر بإبتسامة: عن طريق الإستنتاج.
قلت بندهاش: من طاقية!
عمر: بالضبط.
قلت: إنت بتهزر يا عمر…. إيه اللي هتقدر إنك تستنتجه من الطاقية القديمة المستهلكة دي؟!
عمر: أهي العدسة المكبرة بتاعتي.. وإنت عارف طريقتي في التحقيق… قولي بقي إيه اللي تقدر إنك تعرفه إنت من صفات الشخص اللي كان لابسها؟
مسكت الطاقية في إيدي، وفضلت أقلبها يمين، وشمال… كانت طاقية سودة… مدورة… شكلها عادي… باين عليها إن هي مستهلكة من كتر اللبس… كان القماش الداخلي للطاقية من الحرير الأحمر، وكان لونه باهت.. مكانش عليها إسم الشخص اللي صنعها… بس زي ما عمر قال كان عليها حرفين هـ ، ب، مكتوب بخط الإيد على جنب الطاقية… كان في خرم من الجنب عشان يتحط فيها شريط يثبتها..رغم إن الشريط المطاط مكانش موجود… كانت متربة، وعليها بقع، وإن كان في حد حاول إنه يداري البقع دي بإنه يغطيها بالحبر.
مديت إيدي، ورجعت الطاقية لعمر، وقلت: مش شايف فيها أي حاجة مهمة.
عمر: على العكس يا صديقي… تقدر إنك تشوف تفاصيل كتيرة… بس إنت اللي مبتستخدمش منطق التحليل…ومش واثق في إستنتاجك.
قلت: يبقى لو سمحت يا صديقي قولي إنت باللي إستنتجته من الطاقية القديمة دي.
مسك عمر الطاقية، ورفعها لفوق.. فضل يبصلها بنظراته الفاحصة العجيبة اللي أنا متعود عليها.
عمر: ممكن تنخدع، وتعتقد إن الطاقية دي ما بتظهرش حاجة… في الحقيقة هي بتقدم معلومات، وتفاصيل مهمة جداً… الشخص صاحب الطاقية شخص مثقف جداً، وده ظاهر من شكلها طبعاً… كمان صاحبها كان غني خلال التلات سنين اللي فاتت، وهو دلوقتي عنده أزمة مالية… كمان الشخص ده حكيم، وإن كان الأمر ده قل دلوقتي، وده بيدل إن نفسيته المتأثرة بحالته المادية، وفقدان ثروته… كمان تقدر تستنتج إن مراته بطلت تحبه.
قلت بصوت عالي: معقولة يا عمر!
كمل عمر في الكلام من غير ما يهتم بإ ندهاشي: هو دلوقتي عنده بعض الإحترام لنفسه… هو عايش دلوقتي حياة كسولة، ومبيخرجش من البيت إلا قليل… كمان صاحب الطاقية سمين، ولياقته مش كويسة… ليه شعر أبيض، وكان لسه قاصص شعره من أيام.. كمان بيدهن زيت الليمون… هي دي يا صديقي التفاصيل اللي هنقدر نستنتجها من الطاقية… وكمان بنسبة كبيرة أعتقد إنه عايش في بيت مفيهوش غاز.
قلت بإندهاش: إنت أكيد بتهزر يا عمر!
عمر: أبدا يا صديقي… معقولة يا أحمد لغاية دلوقتي، وحتى بعد ما إديتك كل التفاصيل لسه ما فهمتش الطريقة اللي وصلت بيها للمعلومات؟!
قلت: فعلاً يا صديقي أنا مش قادر أفهمك…فمثلاً إزاي عرفت إن الطاقية دي لشخص مثقف؟
عمر، وهو بيحط الطاقية على راسه اللي وصلت لغاية مناخيرة: الموضوع يا صديقي إن الراس الكبيرة دي لازم يكون جواها حاجة.
سألت: وبالنسبة لإختفاء ثروته؟
عمر: الطاقية دي عمرها تلات سنين، الشكل ده من الطاقية كان شائع في الوقت ده… كمان هي طاقية نوعها ممتاز… بص لشريط الحرير اللي حوالين الطاقية، وكمان الحرير الأحمر اللي من جوه، واضح إن صاحبها كان يقدر يشتري الطاقية الغالية دي من ثلاث سنين، وبعد كده مقدرش إنه يشتري غيرها من الوقت ده… وده معناه إن الحالة المادية معاه إنخفضت.
قلت: تمام قدرت أستوعب ده… بس إيه موضوع إنه شخص حكيم نفسيته متأثرة؟
عمر بإبتسامة، وهو بيحط صباعه في فتحه مدورة صغيرة، وبيشاور لمكان الخرم اللي بيتحط فيه الشريط المطاط: هو ده يا صديقي دليلي على حكمة صاحب الطاقية… الحاجات دي مكانتش موجودة في الطاقية، وهو طلب إنها تتعمل مخصوص عشان ياخد حذرة من الرياح، وده معناه إن عنده شيء من الحكمة.
أما بالنسبة للشريط المطاطي اللي مقطوع، وإنه متعبش نفسه إنه يغيره…. فده معناه إنه بقى أقل حكمة من قبل كده، وده ممكن يدل على طبيعته الضعيفة… أمر تاني إنه حاول يخفي البقع على قماش الطاقية إنه غطاها بالحبر، وده دليل على إنه لسه عنده بعض الأحترام لنفسه إنه يظهر بشكل كويس.
قلت: تحليلك منطقي يا صديقي.
عمر: أما بالنسبة للحاجات التانية.. إنه شعره أبيض، وإنه لسه قاصه، وكمان إنه بيستخدم زيت الليمون… قدرت أعرف كل المعلومات دي لما فحصت الجزء الداخلي للطاقية بالعدسة المكبرة، ولقيت مجموعة من الشعر المقصوص اللي واضح إنه إتقص بمقص، وكان الشعر اللي موجود كله دقيق، وطالع منه ريحة زيت ليمون.
أما موضوع التراب زي ما إنت شايف إن التراب لونه مش رمادي…مفيهوش رمل زي التراب اللي في الشارع …ده لونه بني… وده معناه إن الطاقية إتعلقت جوه البيت فترة طويلة، وكمان لقيت جوه الطاقية ميه كتير… وده معناه إن صاحبها بيعرق جداً، وعشان كده قلت إن هو سمين، ولياقته مش كويسة.
سألت: طب ومراته.. قلت إن هي بطلت تحبه!
عمر: الطاقية دي متنضفتش من أسابيع… أعتقد يا صديقي لو شفت طاقيتك متربة بالشكل ده، ومراتك سمحتلك إنك تخرج بيها كده… فوقتها يا صديقي هيكون حظك سيء، ومراتك بطلت تحبك.
قلت: بس هو ممكن ميكونش متجوز.
عمر: لاء هو جاب الوزة عشان يصالح بيها مراته.. إنت نسيت الكارت اللي كان مربوط في رجل الوزة!
قلت: عندك رد لكل حاجة يا صديقي…. قولي إزاي إستنتجت إن بيته مفيهوش غاز؟
عمر: لو كنت يا أحمد لقيت بقعة، أو بقعتين من الشحم كان ممكن الموضوع يبقى صدفة… بس لما ألاقي أكتر من خمس بقع فده معناه إنه بيتعامل بإستمرار مع الشحم المحروق اللي بيستخدم في إضاءة المصابيح… وأكيد إنت عارف إن الشحم مبيجيش من شعلة الغاز.
قلت، وأنا بضحك: إنت رائع يا صديقي… بما إن مفيش أي جريمة في الموضوع… ومفيش أي ضرر.. بعيداً عن الوزة اللي إتكلت… إنت بتضيع جهدك، ووقتك هنا.
قبل ما يرد عليا عمر…فوجئنا إن الباب بيتفتح، وبيدخل منه بيتر، وهو بيجري، ووشه منفعل، وعليه علامات ذهول.
بيتر: الوزة يا عمر!
إلتفت عمر لبيتر، وقال: إيه اللي حصلها؟ هل رجعت للحياة، وطارت بعد ما شوتها في الفرن؟
بيتر: بص يا عمر… بص مراتي لقيت إيه في بطنها!
مد بيتر إيده، وفتحها، وظهر منها جوهرة زرقا بتبرق… كانت صغيرة زي حبة الحمص… كان شكلها جميل، ورائع.
إتعادل عمر في قعدته، وقال: يا الله… ده كنز …إنت عارف قيمة اللي إنت لقيته ده؟
بيتر: هل الحجر ده من الماس؟
عمر: ده مش مجرد حجر عادي ده حجر مميز.
قلت بصوت عالي: دى جوهرة الماسة الزرقا للأميرة فريدة.
عمر: فعلاً أنا قريت عنها كتير في الفترة اللي فاتت في الجرايد… الجوهرة نادرة، وقيمة جداً، وأعتقد إن المكافأة المعروضة للي يلاقيها 10000 جنية… وده جزء بسيط أوي من ثمنها في السوق.
وقع بيتر على الكرسي، وقال بدهشة: 10000 جنيه!
عمر: الأمر بالنسبة الأميرة فريدة فيه شيء عاطفي أكتر من قيمة الحجر… هي ممكن تدفع نص ثروتها مقابل إن الحجر ده يرجعلها.
قلت: هو ضاع في فندق سونستا على ما أعتقد….
عمر: فعلاً يا أحمد… يوم 22 ديسمبر إختفي… ومن خمس أيام إتهموا جان هنري السباك إنه سرق الحجر الثمين ده من الأميرة… وكان الإثبات ضده قوي… وإتحولت القضية للمحكمة.
فضل عمر يلف بين الجرايد، وهو بيبص على التواريخ… خرج عمر جرنان، وقرأ بصوت عالي.
عمر: إختفاء حجر ثمين من فندق سونستا…. تم إتهام السباك جان هنري إنه سرق جوهرة ثمينة إسمها جوهرة الماسة الزرقا من الأميرة فريدة، وكان ده يوم 22 من شهر ديسمبر… شهد مدير الفندق جيري رفعت إنه أخد السباك لأوضة الأميرة في يوم السرقة… عشان يصلح حاجات في الأوضة… وبعد كده سابه لما طلبوه في الإدارة… ولما رجع كان السباك مش موجود، وكمان صندوق المجوهرات الخاص بالأميرة مكسور، وفاضي… وجري جيري عشان يطلب الشرطة.
تم القبض النهاردة بالليل على السباك… إلا إن هما مالقوش الحجر لا معاه ولا في بيته… وشهدت كاترين الخادمة الخاصة بـ الأميرة إن هي سمعت صوت جيري مدير الفندق وهو بيصرخ، ولما جريت إتفاجئت بموضوع السرقة.
قدم الضابط محمد شريف الإثباتات، وبناء عليها تم القبض على السباك… إعترض السباك جان بقوة، وصمم إنه بريء…. كشفت التحقيقات إتهامه قبل كده بعملية سرقة، وتم تحويل القضية للمحكمة…. كان السباك جان منفعل بشدة، وخلال التحقيق أغمى عليه.
عمر: بعيداً عن موضوع المحكمة.. إحنا لازم نعرف إيه اللي حصل من وقت ما كانت الجوهرة موجودة في الصندوق في ناحية بعيدة في المدينة، وبعد كده توصل لبطن وزة في الناحية التانية من المدينة.
شفت يا صديقي أحمد النتائج البسيطة اللي وصلتلها كان ليها أهمية كبيرة إزاي…. الجوهرة كانت جوه الوزة… والوزة كانت مع صاحب الطاقة المستهلكة، وصاحب كل الصفات اللي قلتهالك من شوية.
لازم دلوقتي نبذل مجهود عشان نوصل للشخص ده اللي أكيد ليه دور في الأحداث… في الأول هنجرب أبسط الطرق، وهي إن إحنا نعمل إعلان في الجرايد المسائية… أما لو منجحش الأمر هنشوف طريقة تانية.
سألت: هتكتب إيه في الإعلان؟
عمر، وهو بيكتب على ورقة: تم العثور على وزة، وطاقية سودا عند شارع كذا… وتم التعرف على صاحبها، وإسمه هاني بدر… يقدر مستر هاني إنه يجي الساعة 6:30 في البيت رقم 121 بشارع بغداد لإستلام حاجته.
قلت: كويس جداً… تفتكر هيقرأ الإعلان؟
عمر: أكيد هيتابع الجرايد لإنه خسر حاجة كبيرة جداً… كمان ذكر إسمه في الإعلان هيخلي كل شخص يعرفه ينبهه للإعلان… أتفضل يا بيتر نزل الإعلان في أي جرنان … أما بالنسبة للجوهرة فهتفضل معايا في الخزنة بتاعتي.
لو سمحت يا بيتر لما ترجع إشتري وزة بدل الوزة اللي إنت هتاكلها إنت، وعيلتك دلوقتي… لازم يكون عندنا واحدة نديها لمستر هاني بدر لما يجي.
لتكملة القصة اضغط الزر بالاسفل






