اخبار

المتحف المصري الكبير.. صرح حضاري يتحول إلى أول متحف صديق للبيئة ومحايد كربونيًا

في خطوة جديدة تؤكد التزام مصر برؤيتها للتنمية المستدامة والتحول الأخضر، أعلنت وزارة البيئة بالتعاون مع وزارة السياحة والآثار عن تطبيق منظومة متكاملة لتحويل المتحف المصري الكبير إلى أول متحف صديق للبيئة ومحايد كربونيًا في الشرق الأوسط. يأتي ذلك ضمن إطار خطة الدولة لمواجهة التغيرات المناخية وتبني مفهوم الاقتصاد الأخضر في مختلف القطاعات.

مشروع المتحف المصري الكبير.. أكبر متحف أثري في العالم

يُعد المتحف المصري الكبير، الواقع على مقربة من أهرامات الجيزة، أحد أضخم المشاريع الحضارية والثقافية التي شيدتها مصر في العصر الحديث. يضم المتحف أكثر من 100 ألف قطعة أثرية تغطي جميع مراحل الحضارة المصرية القديمة، من عصور ما قبل التاريخ حتى العصر اليوناني الروماني.

ومنذ انطلاق أعماله، حظي المشروع باهتمام عالمي واسع، ليس فقط لقيمته الأثرية والتاريخية، بل أيضًا لكونه نموذجًا للعمارة الحديثة التي تجمع بين الأصالة والاستدامة. ومع دخول المتحف في مرحلة التشغيل الكامل، تبرز خطط جديدة لجعله مركزًا عالميًا للاستدامة البيئية.

خطة التحول الأخضر.. بداية جديدة لقطاع السياحة الثقافية

أطلقت وزارة البيئة بالتنسيق مع وزارة السياحة مبادرة وطنية تهدف إلى جعل المتحف نموذجًا رائدًا في تبني معايير الحياد الكربوني، بما يتماشى مع التزامات مصر في اتفاق باريس للمناخ واستراتيجيتها الوطنية لخفض الانبعاثات بحلول عام 2050.

وتركز الخطة على تطبيق مجموعة من الإجراءات العملية لتقليل الانبعاثات الناتجة عن الأنشطة التشغيلية، وتحسين كفاءة استخدام الطاقة والمياه، وتعزيز الوعي البيئي لدى الزائرين والعاملين.

سبعة عشر إجراءً للتحول إلى متحف صديق للبيئة

كشفت وزارة البيئة عن تنفيذ 17 إجراء بيئيًا داخل المتحف المصري الكبير ليصبح منشأة صديقة للبيئة ومحايدة كربونيًا، من بينها:

  • الاعتماد على أنظمة الإضاءة الموفرة للطاقة من نوع LED داخل القاعات والممرات.
  • تركيب محطات طاقة شمسية على الأسطح لتغطية جزء من احتياجات المتحف من الكهرباء.
  • تطبيق منظومة متكاملة لإدارة المخلفات وإعادة التدوير بنسبة تفوق 80%.
  • استخدام أنظمة تحكم ذكية في التكييف والتهوية لتقليل استهلاك الطاقة.
  • إعادة استخدام مياه الصرف المعالجة في ري المساحات الخضراء المحيطة بالمتحف.
  • تشجير محيط المتحف وزراعة نباتات محلية مقاومة للجفاف لزيادة امتصاص الكربون.
  • استخدام مواد بناء صديقة للبيئة أثناء عمليات الصيانة والتجديد.
  • توفير وسائل نقل كهربائية داخلية لنقل الزائرين من البوابات إلى القاعات.
  • إنشاء مركز رصد بيئي لمتابعة جودة الهواء داخل المتحف وخارجه بشكل دوري.
  • اعتماد نظام رقمي لتقليل المعاملات الورقية وتقليل البصمة الكربونية الإدارية.

هذه الإجراءات لا تهدف فقط إلى حماية البيئة، بل أيضًا إلى تقديم تجربة فريدة للزائر تجمع بين التاريخ العريق والتكنولوجيا المستدامة الحديثة.

تعاون وزاري يضع المتحف في مقدمة المؤسسات الخضراء

أكدت الدكتورة ياسمين فؤاد وزيرة البيئة أن هذه الخطوة تأتي تنفيذًا لتوجيهات القيادة السياسية نحو جعل مصر مركزًا إقليميًا للابتكار البيئي، مشيرة إلى أن المتحف سيكون أول منشأة ثقافية في إفريقيا والشرق الأوسط تحصل على شهادة الحياد الكربوني.

ومن جانبه، أوضح الدكتور خالد العناني وزير السياحة والآثار أن الوزارة تعمل على دمج البعد البيئي في كل المشروعات السياحية، مؤكدًا أن «السياحة الخضراء» أصبحت أحد أهم محاور التنمية الاقتصادية المستدامة في مصر.

كيف يتحقق الحياد الكربوني داخل المتحف؟

الحياد الكربوني يعني أن كمية الانبعاثات الصادرة عن المتحف يتم موازنتها مع كمية الكربون التي يتم امتصاصها أو تعويضها عبر مشروعات الطاقة النظيفة أو التشجير. ولتحقيق ذلك، يعتمد المتحف على مزيج من التقنيات مثل الطاقة الشمسية، وأنظمة التهوية الطبيعية، والمباني ذات الكفاءة الحرارية العالية.

كما يجري تنفيذ مشروع لتعويض الكربون عبر دعم مبادرات زراعة الأشجار في صحراء الجيزة، مما يسهم في امتصاص آلاف الأطنان من ثاني أكسيد الكربون سنويًا.

التكنولوجيا في خدمة التراث

يُعد المتحف المصري الكبير من أوائل المتاحف في العالم التي تستخدم أنظمة الذكاء الاصطناعي لمراقبة استهلاك الطاقة وجودة الهواء، حيث تعمل أنظمة الاستشعار الذكية على ضبط الإضاءة ودرجة الحرارة والرطوبة بما يحافظ على القطع الأثرية ويوفر الطاقة في الوقت نفسه.

كما يجري تطوير تطبيق رقمي يتيح للزائرين التعرف على المبادرات البيئية داخل المتحف، وتقديم اقتراحاتهم حول سبل تعزيز الاستدامة.

الأثر الاقتصادي والثقافي للتحول الأخضر

من المتوقع أن يسهم المشروع في خفض النفقات التشغيلية للمتحف بنسبة تصل إلى 30% خلال السنوات الخمس الأولى، نتيجة لتقليل استهلاك الطاقة والمياه. كما يعزز المشروع من مكانة مصر كوجهة للسياحة المستدامة، خاصة في ظل الاهتمام العالمي بالوجهات الصديقة للبيئة.

وتشير التقديرات إلى أن اعتماد المتحف لهذه المعايير قد يجذب استثمارات إضافية في مجال التكنولوجيا الخضراء والسياحة الثقافية، إلى جانب خلق فرص عمل جديدة في مجالات الطاقة النظيفة وإدارة النفايات.

رمزية بيئية تعيد تعريف الحضارة

تحويل المتحف المصري الكبير إلى منشأة محايدة كربونيًا لا يقتصر على الجانب البيئي فقط، بل يحمل رمزية حضارية عميقة؛ فكما قادت مصر العالم قديمًا في البناء والهندسة، تعود اليوم لتقود نموذجًا حضاريًا جديدًا يجمع بين التراث العريق والوعي البيئي الحديث.

ويؤكد الخبراء أن المشروع يمثل نقلة نوعية في مفهوم المتاحف، إذ لا يكتفي بعرض التاريخ، بل يشارك في حماية المستقبل.

الزائر.. شريك في الحفاظ على البيئة

يُعد الزائر أحد الركائز الأساسية في منظومة الاستدامة، لذلك أطلقت إدارة المتحف برامج توعية تشرح للزوار كيفية المساهمة في تقليل الانبعاثات، مثل استخدام وسائل النقل العامة أو الكهربائية للوصول إلى المتحف، والتقليل من استخدام المواد البلاستيكية داخل المرافق.

كما يجري تدريب العاملين والمرشدين السياحيين على مبادئ الإدارة البيئية وتطبيقها خلال تعاملهم اليومي مع الجمهور.

رؤية مستقبلية لمتاحف خضراء في مصر

تسعى وزارة السياحة والآثار إلى تعميم تجربة المتحف المصري الكبير على باقي المتاحف والمواقع الأثرية، ضمن خطة وطنية للتحول الأخضر في القطاع الثقافي. وتشمل الخطة إنشاء وحدات بيئية في كل متحف لمتابعة تطبيق معايير كفاءة الطاقة وتقليل النفايات.

وتتضمن الرؤية المستقبلية أيضًا التعاون مع القطاع الخاص والمنظمات الدولية لتمويل مشروعات الطاقة الشمسية والابتكار البيئي في المؤسسات الثقافية.

خاتمة

بهذا المشروع الرائد، تضع مصر نموذجًا عالميًا في كيفية الجمع بين التراث والبيئة، وتؤكد أن حماية التاريخ لا تتعارض مع حماية الكوكب، بل تكملها. فالمتحف المصري الكبير لا يروي فقط قصة الحضارة القديمة، بل يقدم رسالة حديثة عن مسؤولية الإنسان تجاه الأرض.

ومع اكتمال تطبيق مبادرة الحياد الكربوني، سيصبح المتحف المصري الكبير ليس مجرد مقصد سياحي، بل منصة للتوعية البيئية ومصدر إلهام للمؤسسات الثقافية حول العالم. إن هذا الصرح العملاق، الذي يقف شامخًا أمام الأهرامات، يثبت أن مصر قادرة على قيادة التحول نحو مستقبل أخضر مستدام يجمع بين الأصالة والحداثة.



هل كان المحتوى مفيداً؟

نعم
لا
شكرا لك

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى